بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
حالة العقل العربى العام ليست بخير فى الأجل القصير على الأقل. فهو نائم فى الأغلب الأعم. وإذا استيقظ فليمارس شرحًا على المتون أكثر مما ينتج أفكارًا وابتكارات جديدة. ويهتم النمط السائد فى العقل العربى، أكثر ما يهتم، بمسائل ومواضيع هامشية تعج بها وسائل التواصل الاجتماعى. وهو يعالج قضايا تقتضى قدرًا كبيرًا من العمق بسطحية باتت ملازمة له فى كثير من تجلياته. وتخلق حالته هذه أجواء ملائمة لانتشار التعصب والانغلاق. قد يكون فى هذه الصورة العامة شىء من الاختزال لأن الواقع العربى لا يخلو من إضاءات عقلية ومساحات منيرة وأفكار مضيئة، ولكنها قليلة قياسًا على ما هو مُظلم أو مُعتم.
ولذا فالحال أن أكبر آفات الأمة العربية اليوم أنها تفتقر، فى سوادها الأعظم، إلى نعمة العقل التى أنعم الله بها على الإنسان فميزه عما سواه من كائنات، وحمَّله الأمانة الكبرى التى تنوء بها الجبال. وليس مفهومًا، والحال هكذا، ما الذى يضيرنا إذا اجتهد المجتهدون فى قضايا تحتاج إلى حوار خلاق، فأصاب بعضهم وأخطأ بعض آخر فى إطار من التفاعل الإيجابى والتواصل الصحى.
ولكن كيف يتوافر مثل هذا المناخ فى ظل ضعف تقاليد الحوار وغياب القيم اللازمة لإحسان ممارسته، وفى مقدمتها احترام الرأى الآخر أيًا يكن الخلاف معه، والحرص على وجوده لأن فى التنوع ثراءً وفى الاختلاف رحمة. ولا سبيل إلى تحقيق هذا الذى يبدو الآن بعيدًا بدون حوار بناَّء فى مختلف المجالات، وليس فى المجال السياسى فقط. ويتطلب هذا الحوار، لكى يكون نافعًا ومفيدًا، مساحة من الحرية تتيح وجود آراء وأفكار مختلفة حتى إذا حدث شطط فى بعضها.
كما يحتاج الحوار على هذا النحو إلى قدر معقول من الثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف سعيًا للوصول إلى ما يمكن أن نُطلق عليه «أمن متبادل»، حيث لا يشعر أى طرف بخوف من الآخر حين يطرح رأيًا أو فكرة قد تنطوى على نقد له مادام هذا النقد بناءً وليس هدّامًا.