بقلم:فاروق جويدة
أخطأ من قال إذا كان الكلام من فضة فإن الصمت من ذهب، لأن الصمت ضعف، والضعف هوان، والهوان أسوأ ما يصيب البشر.. ومن الصمت يتعلم الإنسان الاستسلام، وهو نوع من أنواع الصمت، ألا ترد الإهانة وأن تقبل الذل.. والصمت أول طريق الخوف، وإذا خاف الإنسان أصبح مطية لضعفه، وإذا ضعف الإنسان يخفى ضعفه بالكذب والنفاق وقلة الحيلة.. وإذا أدمن الإنسان الصمت والخوف يبدأ رحلة الاكتئاب، وربما كره حياته وكره نفسه وكره العالم حوله.. إن الكراهية آخر ليالى الصمت. والغريب أن الصمت أنواع، هناك صمت الخوف، وصمت القسوة، وهناك صمت الغربة، وصمت الوحشة، وأخيرا صمت الظلم، وهو أسوأ ما يصيب البشر.. وقد يسأل البعض كيف أخرج من صمتى وأتعلم الكلام، أعترض وأرفض وأقاوم ضعفى وهوانى على الناس، كيف أشعر بوجودى وكرامتى وخوفي؟ إن نقطة البداية أن أتحدث مع نفسى، ألومها، أتعلم معها كيف أتكلم وكيف أتخلص من ضعفى، وأن الأشياء التى تخيفنى ليست أقدر منى، وأننى قررت أن أصرخ إذا تطلب الأمر، وأن أواجه الظلم، لأن الذى يظلمنى ليس أقوى منى.. إن تحرير نفسى واستعادة كرامتى والتخلص من ضعفى، وإن قرارى الأخير أن أتخلص من صمتى وأستعيد قدرتى على الكلام، لأن الصامتين موتى وأنا مازلت من الأحياء.
جلست فى غرفتى وحيدا، وبدأت أكلم نفسى، ارتفع صوتي: أنا أستحق الحياة. صرخت. ارتفعت صرخاتى وبدأ لسانى يتكلم، تجمع الأولاد حولى، عدت أنطق، واختفت أشباح الصمت.