بقلم:فاروق جويدة
إذا كان لديك صديق واحد فحافظ عليه ولا تفرّط فيه، لأن الدنيا تغيرت، والأشياء رخصت، والناس لم تعد تفرّق بين الذهب والصفيح، وأقدار الإنسان أصبحت تُقاس بما يملك، وسوق الصداقة أُغلق المزاد. وقد تبحث عن يد تمتد إليك فى ساعة محنة فتُصافح الهواء، وقد تسأل: وأين العِشرة؟ فتراها فقط فى دفتر الذكريات.
حين أقرأ الصحف وأجد ابنًا طرد أمه من الشقة إرضاءً لزوجته، وحين أجد رجلًا قتل كل أبنائه، وحين أسمع عن حكايات الجفاء وغياب الرحمة، أقول لنفسي: يكفى أن لديك يدًا تمتد وأنت تطلب المساعدة.
العمر فى أوطاننا ثقيل فى كل شيء لأن الناس لا يرى بعضها بعضا، فإذا وجدت صديقًا يتصل بك ويسأل عنك أو يزورك فى المستشفى فهذه هدية من السماء.
كان الأصدقاء حولنا ينتشرون مثل نجوم السماء، وكنت لا تدرى إلى من تذهب ومع من تتحاور، ولكنك الآن لا تجد من تحاوره، فقد انتهى زمن الحوار وسقطت القضايا، واختلف الجميع عن الجميع.
من أين أجد حكايات الحكيم، ومشاغبات يوسف إدريس، وذكريات هيكل، وأسفار أنيس منصور، وأحلام أحمد زويل، وألوان صلاح طاهر، وعود السنباطى، ودندنات عبد الوهاب، وجسارة بنت الشاطئ فى الحق؟ من أين كل هذا؟
لا أقول لك حبيب واحد يكفى، فقد عزّ الأحباب، ولكن أقول لك: صديق واحد يكفي… أن تجد صوته يؤنس وحدتك ويعيد معك ذكريات الزمن الجميل.
لا تحزن، لأن رصيد الأصدقاء تراجع كثيرًا، وأصبحت الصداقة ضيفًا عزيزًا. فقد افترقنا بين الفقر والغنى، والحب والهجران، وأصبح ما يبعدنا أكبر كثيرًا مما يقرّبنا، ولهذا لا تفرّط فى صديق حتى لو كان شخصًا واحدًا.