بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
كان فى مصر برلمان قبل أن توجد دول عدة فى منطقتنا. تاريخ الحياة النيابية فيها يعود إلى أكثر من قرن ونصف القرن عندما أُنشئ مجلس شورى النواب. ورغم محدودية اختصاصات ذلك المجلس فقد سعى لأن يكون ممثلاً حقيقيًا للشعب، واتخذ كثير من أعضائه مواقف شجاعة. ولكن الجلسة التى عقدها فى 27 مارس 1879 لا تُضاهى. كانت جلسة تاريخية شهدت مواجهة ساخنة بين أعضاء المجلس ومصطفى باشا رياض ناظر «وزير» الداخلية الذى أراد فض الدورة البرلمانية. وعندما رفض الأعضاء فقد أعصابه وخاطبهم بطريقة مُهينة قائلاً: «يعنى حضراتكم الآن بعمائمكم وجهلكم تريدون أن تكونوا مثل نواب أوروبا .. يعنى حضراتكم تقلدون نواب فرنسا الذين خرجوا على حكومتهم». لم يتراجع الأعضاء الذين قادوا النقاش ضد فض الدورة البرلمانية كما يتضح فى محاضر جلسة ذلك اليوم.
فقد رد النائب أحمد العويس عليه قائلا «يا باشا أنت الآن تشتم نواب أمتك التى تعطيك أنت وغيرك مرتباتكم الشهرية». وتبعه النائب عبدالشهيد بطرس مؤكدًا أن المجلس لا يقبل الأسلوب الذى تحدث به الوزير. أما النائب عبدالسلام المويلحى فقد آثر أن يوجه النصح إلى الوزير بهدوء فقال له: «أرأيت يا باشا عاقبة تسرعك فى الكلام .. فلتعلم أن المسألة ليست مسألة زى وثياب، بل مسألة نواب لهم عقول تفهم جيدًا مطالب الأمة التى أنابتهم عنها. واعلم يا باشا أن أهل وطنك ليسوا أقل شعورًا بما لهم من الحقوق وما عليهم من الواجبات من الأمم الأخرى». ولم يكتف المويلحى بذلك، بل شاء أن يصارح الوزير بحقيقة وضعه: «ألم يكن من العيب وأنت ناظر فى نظارة يزاملك فيها إنجليزى وآخر فرنساوى، وهما فى الحقيقة خفيران عليكم، أن تجتمع مع بعض أصحاب الصحف وتقول لهم إن الحكومة ستفض مجلس شورى النواب». وأخيرًا انبرى النائب حسنى عبدالرازق مؤيدًا زميله فقال: «إن ما قاله المويلحى هو إعراب عن أفكارنا ومطابقةً لها مطابقة تامة». فما كان من الوزير إلا أن انسحب من الجلسة بعد أن تلقى درسًا ثمينًا.