بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
فشلت الأحزاب والحركات السياسية التى تتبنى أفكارًا ومواقف ليبرالية اجتماعية فى أن تجد لنفسها مكانًا فى قلب الخرائط السياسية فى الدول التى توجد بها. ويعود ذلك إلى أسباب أهمها عدم قدرة هذه الأحزاب والحركات على إقناع الناخبين، والمواطنين عمومًا، بأنها تختلف عن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأقدم منها. فالقواسم المشتركة ليست قليلة بين الليبرالية الاجتماعية والاشتراكية الديمقراطية. ولذلك تبدو الليبرالية الاجتماعية كما لو أنها نسخة مقلدة من الاشتراكية الديمقراطية. وحين يحدث ذلك يفضل الناخب أن يقترع للأصل وليس للصورة حتى إذا لم تكن مطابقة تمامًا.
ومن أهم ما يجمع الليبرالية الاجتماعية والاشتراكية الديمقراطية إيمان بأن ثمار التنمية لا تنساب بشكل تلقائى على مختلف فئات المجتمع، وأن وصولها إلى الشرائح الاجتماعية الأضعف يتطلب تدخلاً يُحقَّق توزيعًا عادلاً. توجد خلافات بطبيعة الحال على بعض التفاصيل ليس بين هذين الاتجاهين فقط، بل فى داخل كل منهما أيضًا. ولكنهما يتشابهان فى إدراك أن السوق الحرة الطليقة من أى نوع من أنواع التنظيم تخلق مظالم اجتماعية يتعين التدخل للحد منها.
ولكن أهم ما يفصل بينهما هو أن الاشتراكية الديمقراطية نشأت فى رحم الماركسية وانفصلت عنها بشكل كامل، بينما بزغت الليبرالية الاجتماعية فى بعض أوساط الليبرالية التقليدية. وقد انفصلت الاشتراكية الديمقراطية عن الماركسية من خلال صراع فكرى انطوى على سجالات حادة، خاصةً من جانب سدنة الماركسية الذين شنوا هجومًا حادًا على أبرز القادة الذين قادوا عملية الانفصال. ويعد كتاب فلاديمير لينين «الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكى» أبرز تلك السجالات وأكثرها حدة. فقد ذهب لينين إلى أبعد مدى فى هجاء كارل كاوتسكى الذى كان أحد أبرز قادة عملية الانفصال عن الماركسية وشارك فى تأسيس الحزب الاشتراكى الديمقراطى فى ألمانيا.
أما نشأة الليبرالية الاجتماعية فقد كانت هادئة اعتمادًا على تطوير كتابات بعض كبار المفكرين الليبراليين مثل جون ستيوارت ميل (1806-1873) الذى كان أحد أوائل من شرعوا فى إضفاء طابع اجتماعى على الليبرالية التقليدية.