بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يدل الجدل الساخن حول فيلم «الست» على أن مكانة السيدة أم كلثوم تحظى بحماية شعبية قوية ليس تقديسًا لها، بل للقلق من تشويه صورتها. أم كلثوم واحدة من الكبار الذين رفعهم المصريون إلى عنان السماء. ويعد حجم الجنازة أحد المظاهر الدالة على المكانة. كانت جنازة أم كلثوم فى أول فبراير 1975 واحدة من أكبر جنازات أهل الفن والسياسة والمجتمع، إلى جانب جنازتى سعد زغلول وجمال عبد الناصر.
شارك فيها مئات الآلاف، وربما أكثر إذ لا توجد وسيلة لإحصاء عدد المشاركين بدقة.
ويرى بعض محبيها المشدودين إلى زمن الفن الجميل أن أم كلثوم لم تُشيع وحدها فى هذه الجنازة، بل شُيع معها الغناء العربى الجميل. وبغض النظر عن صحة هذا الاعتقاد من عدمها، فلا يُختلف كثيرًا على أن أم كلثوم قدمت فنًا رفيعًا وطربًا جميلاً قلما يجود الزمان بمثلهما.
فقد غنت خلال أكثر من نصف قرن قصائد باللغة العربية الفصحى وأغانى بالعامية المصرية. كما قدمت ألحانًا شرقية أصيلة مثل أعمال زكريا أحمد والقصبجى، وأخرى حملت فى نغماتها تجديدًا مثل ألحان محمد عبد الوهاب والسنباطى. وتميزت بقدرة فائقة على تجديد نفسها مع الاحتفاظ بطابع خاص يميزها.
ولا نجد منافسًا لجنازة أم كلثوم إلا تشييع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عقب رحيله فى آخر سبتمبر 1970.
ضاقت شوارع القاهرة بالمشاركين فى تلك الجنازة الهائلة بكل ما حملته من وعى بقيمة مشروع عبد الناصر الوطنى التحررى وإصلاحاته الاجتماعية التى غيَّرت الخريطة الطبقية فى مصر.
ونجد مثل هذا الوعى بشكل أو بآخر لدى المشاركين فى ثالث أكبر جنازة تاريخية فى القرن الماضى.
كان المشاركون الكُثُر فى جنازة سعد زغلول فى آخر أغسطس 1927 يعرفون جيدًا قيمة مشروعه الوطنى ودوره فى قيادة النضال من أجل الاستقلال والدستور، وفتح الطريق أمام تحرير مصر من الاحتلال الإنجليزى.
هكذا هى الجنازات التاريخية التى تعبر بواسطتها شعوب عن مشاعرها تجاه شخصيات عادية.