بقلم:فاروق جويدة
كلما عبرت أمامى صور a مصر فى أزمنة مضت، أتوقف عند طلعت باشا حرب وأستوديو مصر والمسرح القومى وبنك مصر ومصانع النسيج والغزل فى المحلة الكبرى، وتجربته الفريدة فى الجمع بين زراعة القطن ومصانع الغزل.. هذه العبقرية التى شيدت كل هذه الإنجازات جعلت من طلعت باشا حرب دولة داخل الدولة، إذ أقام المصانع التى واجهت أزمة البطالة، وكان رائدًا لصناعة السينما، وجمع الفنانين فى أستوديو مصر والمسرح القومى.
على الجانب الآخر، تظهر الأميرة فاطمة ابنة الخديو إسماعيل وهى تتبنى إنشاء جامعة القاهرة، وتتبرع بمجوهراتها و 6 أفدنة لبناء مبنى الجامعة، وتقيم واحدة من أهم وأكبر وأقدم جامعات مصر.. ولنا أن نتصور خيال هذه الأميرة وهى تهدى للشعب أغلى وأعظم الهدايا، وهى العلم والمعرفة..
ولنا أن نتصور عائلة عبد الرازق وهى ترسل طه حسين إلى باريس ليدرس فى جامعاتها ويصبح عميدًا للأدب العربى. وأتصور محمد عبد الوهاب وهو طفل صغير يتبناه أمير الشعراء أحمد شوقى، والإمام محمد عبده وهو يرعى حافظ إبراهيم، وأحمد رامى وهو يشارك فى صنع أسطورة أم كلثوم تعليمًا ووعيًا وثقافةً..
كانت هناك طبقة واعية ومتحضرة تقدّر الفن وتشجع الإبداع، ولا تنسى البعد الاجتماعى، وكيف كانت تشارك فى توفير حياة أفضل.. وقد تنوعت الأدوار ما بين إنشاء المؤسسات الخيرية من المدارس والمستشفيات ودور المسنين..
من هنا يأتى عتابى لأثرياء مصر الذين جمعوا المليارات، فمن منهم أقام جامعة أو مدرسة أو مستشفى؟ إننى كثيرًا ما شاهدت إعلانات التبرع، ولا أحد يعرف مصدر هذه الدعوات ولا إلى أين تذهب هذه الأموال.. إن المواطن المصرى يعيش الآن ظروفًا صعبة، وهو أحوج ما يكون لكل يد تمتد له..
إن هذا المواطن يقف حائرًا بين عواصف الأسعار وأعباء المطالب الحكومية التى تزداد كل يوم..
مصر فى حاجة إلى روح جديدة تتسم بالرحمة والتكافل والتواصل، لأننى أشعر بأن المجتمع انقسم على نفسه ما بين الفقر والغنى، وأصحاب المنتجعات.. والمطلوب انتفاضة صادقة من أثرياء مصر لتكون الحياة أكثر إنسانية ورحمة..