بقلم:فاروق جويدة
هناك قواعد تحكم مكانة الشعوب ودورها فى الحضارة والتاريخ ، وهناك مقومات تقوم عليها الأدوار والمواقع، وتختلف أقدار الشعوب حسب الدور والمشاركة.. والدول ليست مساحات من الأرض، ولكن البشر هم الذين يحددون مكانة أوطانهم.. وهناك مقومات تعطى لمصر مكانة خاصة يأتى فى مقدمتها البشر، أغلى ثروات مصر.. وكان التاريخ أكبر الشواهد على أن الإنسان المصرى كان مبدعًا وصاحب رسالة، فهو أول من نظر للسماء وآمن بالتوحيد قبل أن تهبط الأديان السماوية، وهو أول سطور الحضارة فنًا وعلمًا وإبداعًا وكلامًا..
الإنسان المصرى عرف الأديان طريقًا للسماء، وعرف التشريح ومازال سرًّا، وعرف الحياة والموت، وعرف الجمال بشرًا ومعابد وأضرحة وحياة وخلودًا، وعبد الشمس والنيل والإله، ومنح العقل مساحة كبيرة اكتسب منها الوعى والحكمة والفكر، وصاغ كل هذا فى طقوس جعلته يسافر فى آفاق الفكر والرؤى، شاهد الخالق وهو يزرع ويصلى وحصد ما زرع.
هذا الإنسان سيد الحضارة بالفكر والإيمان والوعى وكل القيم الجميلة فى الأرض والطبيعة والإبداع، وترك آثارًا تحدّت الزمن وكانت تأكيدًا على عظمة هذا الإنسان المبدع حين جمع العقل والروح والجسد والخيال والدين حياة وواقعًا.. وقد ساعده على ذلك موقع جغرافى فريد، ونيل عنيد، وفصول صاغها على هواه، وحب للحياة تجاوز حدود الزمن والتاريخ وكل عصور الحضارة التى عبرت على نيله الخالد..
وإذا كان البعض يرى أن مصر هبة النيل، فإن مصر أهدت للعالم المعنى الحقيقى للحياة: إبداعًا وفكرًا وإيمانًا وخلودًا. مصر غير كل الأوطان، إنها قطعة فريدة من الأرض ليس لها مثيل.. كنت وما زلت أعتقد أن الإنسان المصرى أغلى ثروات مصر، وأن مصر الثقافة والفكر والإبداع هو سر من أسرار وجودها، وأن بناء الإنسان يبدأ بعقله ووعيه وفكره وإيمانه..