بقلم:فاروق جويدة
هناك علاقة فريدة بين الأماكن والبشر، لأن الإنسان هو الذى يمنح المكان القيمة والزهو والبريق، والمكان يخسر كثيرا إذا غاب عنه أصحابه.. حين دخلت الأهرام كانت صورة هيكل فى خيالى، وكان هيكل يمثل نموذجاً فريدا وحالة خاصة جداً من البريق والحضور والقيمة. لم يكن كاتبا عاديا مثل عشرات الكتّاب، ولكنه كان حالة فريدة.. كان جيلنا منبهرا بهيكل اسما وحضورا، وعندما التقيته للمرة الأولى لم أصدق نفسى وأنا أجلس أمامه أسمع وأحاور وربما أختلف، رغم أن الخلاف معه كان قضية شائكة. قلت له يوما: أتمنى أن أتعلم فى مدرستك، ولدى إحساس بأننى سأكون تلميذاً مجتهداً. لا أدرى، كان لدى إحساس أنه يصدقنى رغم أننى كنت فى أول الطريق. كان هيكل يبهرنى كلمة وبريقاً وطموحاً وحضوراً.
حين أصدر الرئيس السادات قرارا بإبعاد هيكل عن الأهرام حزنت، فقد كنت أشعر بأن فترة البقاء بيننا كانت قصيرة، وكنت أحتاج أن أبقى فى هذه المدرسة وقتاً أطول. ولكن أعترف بأننى أخذت أهم دروس حياتي: ألا أراهن على منصب، وأن القيمة فينا، وأن هيكل كان نموذجاً يمكن أن نقتدى به. خرج هيكل من الأهرام وتصور البعض أن الشمس قد غربت، وأن الغياب ترك عوارضه، ولكن هيكل عاد أكثر بريقاً وحضوراً لكى يملأ الساحة إبداعاً وغنى وبهجة، وامتدت سنوات العمر لكى يؤكد وجوده وقدراته ومواهبه.
فى هذه الفترة أتيحت لى فرص الحوار معه، وكنا نلتقى فى فترات متقاربة، وأعترف بأننى تعلمت فى صداقته الكثير، وأنه أضاف آفاقاً واسعة لتجربتى فى الحياة. وإننى أفتقد حضوره، وإننا فى أحيان كثيرة وفى أزمات صعبة نقول: ليته كان بيننا. فى آخر مشواره ربطت بيننا صداقة جميلة وتقدير متبادل فى المواقف والرؤى، وترك فى حياتى صورة نموذج يغرد إبداعا وقيمة ودورا
من أجمل الأشياء فى حياة الإنسان أن يترك تاريخا سواء كان فكرا أو موقفا أو إبداعا ومازال هيكل الغائب الحاضر يحرك العقول ويناقش القضايا ويلهم الملايين بفكره ورحلته فى الحياة..