بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
أتاح الشروع فى تأسيس دولة حديثة فى مصر فى عهد محمد على فرصة لبناء جسور مع الغرب الذى كان قد شق طريقه نحو الحداثة. وقبل أن ينتهى القرن التاسع عشر كان مثقفون مصريون، وعرب آخرون، قد تجاوزوا الإعجاب العام بتقدم الغرب، كما ظهر فى كتاب رفاعة الطهطاوى «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز»، إلى التأثر بأفكار غربية.
وقد تجاوز بعضهم السعى إلى الحداثة إذ أدى انبهارهم بأفكار غربية إلى ميول تغريبية مثل المثقف اللبنانى شيلى شميل الذى تحل هذه الأيام الذكرى الخامسة والسبعون بعد المائة لولادته (1850-1917).استهوت أفكار غربية شميل عندما سافر إلى فرنسا فى سبعينيات القرن 19 لإتمام دراسته فى الطب رغم شغفه بالفكر والأدب.
واطلع هناك على بعض الأفكار الغربية، وقرأ لفولتير ومونتسكيو وغيرهما. وعندما عاد إلى الشام عام 1873 لم يتحمل الأجواء السائدة هناك فتوجه إلى مصر التى كانت منفتحة والأجواء الثقافية فيها مشجعة.
وكانت رسالته إلى السلطان العثمانى عام 1879 المعنونة «شكوى وآمال» أول تعبير واضح عن تأثره الشديد بالأفكار الغربية. وأخذ على عاتقه منذ ذلك الوقت التوعية بأخطار التخلف الثقافى وانحطاط المعارف العقلية وغياب الروح العلمية. وهذا جميل، ولكن أفسده أنه اعتبر هذه الآفات سمةً من سمات الثقافة الشرقية التى تكرس التخلف. ولم يجد حرجًا فى الدعوة إلى الانقياد للحضارة الغربية وأخذ أصول المدنية منها وفق قانون تنازع البقاء، انطلاقًا من إيمانه الذى لم يخفه بنظرية النشوء والارتقاء.
وعندما أُثير جدل حول هذه النظرية كتب رسالة إلى الشيخ رشيد رضا عام 1908 للدفاع عنها والمجادلة بأنها لا تعنى الكفر بالله والقيم الروحية، وأنه ينظر إلى النبى محمد عليه الصلاة والسلام باعتباره من أعظم المصلحين والهادين إلى سعادة البشرية، ولكنه يرى فى الوقت نفسه تجديد الفكر الإسلامى بناء على الأفكار التى أخذت أوروبا من التخلف إلى التقدم.
والحال أن شميل لم يكن حداثيًا فقط بل تغريبى أيضًا وأكثر، إذ لم يدع إلى الاستفادة من الحداثة الغربية بل رأى ضرورة الاقتداء بها.