توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السلام من أرض السلام

  مصر اليوم -

السلام من أرض السلام

بقلم : فؤاد مطر

ثمة وجهة نظر أميركية منصفة في مقابلة صحافية، أغسطس (آب) 1979، وردت فيها للرئيس جيمي كارتر العبارة الآتية: «القضية الفلسطينية تُشبه حملة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة». ولمجرد نشر المقابلة متضمنة هذه العبارة الموضوعية قامت قيامة «اللوبيات» الصهيونية على أنواعها ضد الرئيس، ثم بلغ الغضب عليه أشده وأتى من مناحيم بيغن الذي أوجزه في تصريح: «إننا موجودون ولا نتطلع لأن يعترف أحد بوجودنا. إنها إهانة للإدراك...».

وجهة نظر الرئيس الأميركي (التاسع والثلاثين) قالها قبْل نحو خمسة أشهر من استضافته الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن، ونجاحه في جمْع الجانبين على ما عُرف بـ«معاهدة كامب ديفيد» التي جرى يوم 26 مارس (آذار) 1979 توقيع السادات وبيغن عليها وكذلك توقيع الرئيس كارتر، أما سائر القضايا فيصار إلى معالجتها، وها هي ما زالت قيد المعالجة الأميركية وستبقى عالقة إلى أن يأتي رئيس أميركي يكون الرئيس العدل الذي إذا تصرّف بوصفه وسيطاً يعتمد الحياد، وبذلك لا ينحاز مائتين في المائة إلى جانب الطرَف المعتدي تاركاً للطرَف المُعتدى عليه، وهو هنا القضية الفلسطينية بكل مآسيها وفواجع الناس، اهتماماً رمزياً.

نقول ذلك في ضوء القراءة المتأنية للمبادرة العشرينية التي طرحها الرئيس ترمب، والتي أصلاً ما كانت لتشق طريقها نحو إمكانية الحل لولا الإشادات العربية والإسلامية بها. وهي من منطلق إبقاء عزيمة الرئيس ترمب عليها، بحيث لا تتأثر بعناد رئيس الحكومة الإسرائيلية، كما أنها بأمل إلحاق المبادرة الغزاوية، بمبادرة بروحية ما قاله الرئيس كارتر الذي هو رمز تحويل المستحيل إلى ممكن، وبشحن فكري متدرج له من جانب هنري كيسنجر. والمستحيل الذي نعنيه هو جمْع رئيس مصر ورئيس وزراء إسرائيل على كلمة سواء كانت اتفاقية «كامب ديفيد». هنا وجوب الملاحظة أن مصر منذ توقيع تلك المعاهدة وهي تلتزم السلام ولم يسجَّل عليها أي اختراق، في حين نلاحظ أن إسرائيل حكومة تلو أُخرى وبالذات الحكومة التي ترأسها آرييل شارون، وتلك التي يترأسها حالياً بنيامين نتنياهو... اعتمدتا افتراس خلْق الله وتدمير البنيان والتلذذ بتمويت الأطفال وكبار السن نتيجة الجوع وسوء التغذية، والعدوان على الناس بالمسيَّرات أو بالطائرات والصواريخ. وفي عهد الحكومة البنيامينية بلغ التوحش مداه. واللافت أنه لم يتوقف فيما كانت مبادرة الرئيس ترمب العشرينية قد تم نشْرها وبثها عبْر الفضائيات وقوبلت من جانب الحكومات العربية والإسلامية بالارتياح النسبي لها.

ويحضرنا في معرض الإشارة إلى ظاهرة التوحش تقرير صحافي من لندن للزميل علي الصالح نشرتْه «الشرق الأوسط» في عددها الصادر يوم الاثنين 3 فبراير (شباط) 2003، ويضيء بريشة الرسام الشهير ديف براون نشرتْه صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في عددها الصادر 26 يناير (كانون الثاني) 2003، ويعكس مدى عدوانية شارون الشبيهة بعدوانية رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو. وكما كانت حالة الدمار والخراب حاضرة، فإنها كانت كذلك زمن شارون الذي جسَّده الرسام في شكل وحش بشري يمسك بكلتا يديه طفلاً ويلتهمه. ومع أن شارون كما الحالي نتنياهو لم يلتهما كل منهما أطفالاً غزاويين إلا أنهما جسَّدا بأفعالهما ما بدا جلياً في الرسم الكاريكاتوري المشار إليه الذي جعل «اللوبيات» الصهيونية تتحرك على نحو ما حدَث تجاه الكلام التوصيفي الذي أورده الرئيس الراحل جيمي كارتر، وهو أن «القضية الفلسطينية تشبه حملة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة...».

هنالك حقبة جديدة تبدو دول المنطقة العربية على موعد معها في حال أخذت مبادرة الرئيس ترمب طريقها إلى التنفيذ واتخذت «حماس» موقفاً يُذكر لها بالتقدير، وهو ألا تضع عراقيل في طريق التنفيذ انطلاقاً من أن المبادرة العشرينية لا تأخذ دور «حماس» في المشهد المأمول رسْم معالمه اقتصادياً وسياسياً للمنطقة. وهي إذا أربكت المبادرة بإصرار على برنامجها الذي أدته على مدى سنتين، فإن رصيدها الذي حققتْه سيبدأ في الذبول. ومِن هنا فإن فرصة تعريب موقفها وانخراطها في وحدة وطنية مع سائر الأطياف الفلسطينية، بحيث تلغي كما هذه الأطياف في شخصيتها الثورية، وتؤسس لشخصية تعويض فلسطين عما ذهب هباءً على مدى نصف قرن. وإنها مدعاة استغراب ألا تحدُث مبادرة وفاق فلسطينية تحت راية جمْع الشمل الذي يكفيه تشتتاً، ومن دون أي تريث، خصوصاً أن مجادلات نصف قرن ثوري أسهمت في أن الجانب الإسرائيلي بدأ يخطط لما هو أكثر إخضاعاً، سواء كان ذلك بالعدوان، أو بتحالفات استهدفت حالات من التشقق في الموقف العربي العام من الصراع العربي - الإسرائيلي.

بعد بوادر الحل المتمثلة بمبادرة الرئيس ترمب للموضوع الغزاوي الشائك والمتشابك، بات التفاؤل خيراً بمبادرة قليلة الكلمات، وتتعلق بصيغة الدولتين، كأن يُلحق الرئيس الأميركي المتطلع إلى الدور التاريخي مبادرة العشرين بخطوة نوعية على طرق حسْم صيغة الدولتين. فهو أعطى إسرائيل الكثير حتى أن عطاءاته كانت على حساب حقوق الآخرين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مبايعة إسرائيل القدس لها والجولان أرضاً تابعة لسائر الأراضي العربية المحتلة التي بات لا بد من حسْم الأمر بما يُسكت صوت الصواريخ، وتملأ السماوات العربية أجواء السلام.

معظم رؤساء الولايات المتحدة أوردوا بعبارات خجولة أهمية أن تكون هنالك دولة فلسطينية. وكان كارتر دون سائر الرؤساء مقداماً بتشبيه الحالة الفلسطينية بـ«حملة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة».

عسى ولعل الرئيس ترمب وقد كثرت الدول من القارات الخمس تؤيد قيام دولة فلسطينية، يهدي السلام العالمي المتعثر بارقة طمأنينة بمبادرة يحسم فيها ما تتمناه الحكومات العربية، وتتضمن موافقة الولايات المتحدة كما بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وآيرلندا والنرويج وعشرات الدول على قيام دولة فلسطينية تتيح لمسلمي العالم الصلاة في الأقصى، ولمسيحيي العالم تأدية القداس في كنيسة القيامة، وبترحيب من إسرائيل التي تكون طوت صفحة العدوان على مدى ثلاثة أرباع قرن.

وبذلك يبدأ السلام من أرض السلام... وكفى منطقة الشرق الأوسط ويلات العداوة، والشروع فيما يريده الله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلام من أرض السلام السلام من أرض السلام



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt