توقيت القاهرة المحلي 10:37:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مع هوبز... حول نُذُر الحرب الأهلية

  مصر اليوم -

مع هوبز حول نُذُر الحرب الأهلية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تعبّر الحروب الأهلية عن حالةٍ مرتبطة بفقدان سيطرة الدولة على الواقع، فضلاً عن تفكك النسيج الاجتماعي، وانهيار المؤسسات، وفشل تأسيس الهوية الجامعة.

ما من سببٍ واحد لنشوب أيّ حربٍ أهلية يجعلنا نضعه مرجعاً كلياً لتفسير بدء هذه الحرب أو تلك، لكن يمكننا محاولة الفهم والدرْس.

ثمة فروقات بين الحروب الأهلية في اليونان، وبينها في العصور الأخيرة مثل الحرب الأهلية في إنجلترا وفنلندا وإسبانيا وأميركا وغيرها.

لكل حربٍ أهليّة دوافعها وأسبابها وظروفها التاريخية والدينية والسياسية. يمكن الاستئناس ببعض الأسباب التي تشترك فيها معظم تلك الأحداث وعلى رأسها ترهّل الدولة وانهيار المؤسسات وتلاشي الهويّة الجامعة التي تتجاوز الانتماءات القبلية أو العرقية أو الدينية.

الفيلسوف توماس هوبز عاصر الحرب الأهليّة الإنجليزية، وكتب عنها بتوسّع نظريّ مهم بمؤلفه الرئيسي «اللفياثان».

في فصلٍ من الكتاب بعنوان: «في أسباب ضعف الدولة أو انحلالها» يقول: «على الرغم من أن كلّ ما يبنيه الزائلون ليس أبدياً، فقد كاد يكون على هذا النحو لو أنهم حموا دولتهم بطريقةٍ أفضل، من الأمراض التي تزيلها من الداخل، فلجأوا إلى استخدام العقل كما يزعمون غالباً، هذا وإنّ الدول قد أُنشئت بطبيعة تأسيسها لتستمر بقدر ما يستمر الجنس البشري، أو قوانين الطبيعة، أو العدالة عينها التي تبثّ فيها الحياة. فعندما تتفكك تلك الدولة ليس بسبب العنف الخارجي، بل بسبب الاضطرابات الداخلية، لا يكمن الخطأ لدى البشر باعتبار تكوينهم المادي، بل بصفتهم بُناة ومنظّمين في الواقع. يميل البشر بكل قواهم إلى تنظيم مجتمعهم ضمن بنيةٍ فريدة ومستقرة ومستمرة، وذلك بعد أن سئموا المواجهة والإساءة بعضهم إلى بعض في أي مناسبة. ولمّا كان البشر يفتقرون في آنٍ إلى فنّ وضع القوانين الجيدة لدعم أفعالهم، كما إلى التواضع والصبر لتحمّل حرمانهم من المظاهر الفظّة والغليظة التي تصنع مجدهم للحظات معدودة يستحيل عليهم أن يجتمعوا من دون مساعدة مهندس كفء في كوخٍ لا يدوم مدةً أطول من حياتهم وينتهي بالتدحرج على رؤوس فروعهم».

لكن ماذا عن إعاقات الدولة؟!

يجيب هوبز: «تدخل ضمن إعاقات الدولة، وفي المرتبة الأولى تلك الناتجة عن تأسيسٍ ناقص، وهي تشبه أمراض الجسم الطبيعي الناجمة عن إنجابٍ سريع». (للتوسع انظر «اللفياثان» ص: 318-319).

هذا النصّ المهم من هوبز يحلل معنى الدولة الناقصة باعتبار نقصها السبب لنشوب أيّ حربٍ أهلية أو اقتتال داخلي.

التحوّلات التي يشهدها الإقليم منذ عقدين وأكثر، تجعل تحليل هوبز راهناً ومفيداً على الرغم من أن كتابه صدر عام 1651.

مضى على تحليله كل تلك القرون لكنّ النظريّة الفلسفية السياسية الهوبزيّة لا تزال فعّالة حتى اليوم. الهدف من العودة إليه الاعتبار من التاريخ، فهوبز حلل الحرب الأهلية ليس بوصفه مجرّد فيلسوف، وإنما بصفته معاصراً لها أيضاً. وعليه فإن كل كلمةٍ يقولها لها دلالتها النظريّة وتجربتها الذاتية.

يمكن تلخيص فكرة هوبز بالآتي: كل دولةٍ تنشأ ناقصةً تكون احتمالات الحرب الأهلية فيها عالية.

لتجنّب الحرب الأهلية لا بد من تأسيس دولةٍ قادرة على نسج هويّة جامعةٍ تذوب معها النعرات الطائفية، والإكراهات الآيديولوجية، والصراعات القبليّة. نجاح أي دولة يكمن في تحجيم الرمزيات الاجتماعية التي يمكنها أن تحشد للاشتباك، أو تذكّر بأحداث الانتقام، أو تربّي الأحقاد.

الخلاصة؛ أن الحرب الأهلية مرتبطةٌ بتفكك الدولة ومؤسساتها، وبالعجز التام عن تثبيت هويّة وطنيّة مرجعها مدنيّ بحت، وبخاصةٍ مع التحوّلات السياسية في المحيط التي يشهدها كثير من الدول منذ أوائل الألفيّة حتى الآن. القوّة التي يمكن لأي مجتمعٍ أن يلوذ بها هي الدولة، وكلما ضعفت الدولة آب الناس إلى أعراقهم وأنسابهم وطوائفهم وآيديولوجياتهم، وهذه العودة بالتحديد هي وقود الحرب الأهلية، بل تجعل احتمال نشوبها أكبر، حينها يمكن لأيّ اشتباك طائش أن يفتح أبواب جهنم... هكذا روى لنا التاريخ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مع هوبز حول نُذُر الحرب الأهلية مع هوبز حول نُذُر الحرب الأهلية



GMT 08:52 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

مفكرة السنة الفارطة

GMT 08:49 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

هل هناك صندوق أسود للتاريخ؟

GMT 08:47 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو أمامَ محكمة الرُّبع الأول

GMT 08:45 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

قراءة في لحظة جنوب اليمن

GMT 08:42 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إصرار الحزب والتربص الصهيوني

GMT 08:40 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

صناعة النفط السورية... فرص كبيرة

GMT 08:39 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

«بيت من الديناميت» ووهم الأمن الأميركي

GMT 08:34 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

عام آخر جديد 2026

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 00:46 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يهدد بضربة عسكرية ضد طهران ويطالب حماس بنزع السلاح
  مصر اليوم - ترامب يهدد بضربة عسكرية ضد طهران ويطالب حماس بنزع السلاح

GMT 09:39 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ابتكار طريقة لعلاج أنواع نادرة من السرطان
  مصر اليوم - ابتكار طريقة لعلاج أنواع نادرة من السرطان

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 09:35 2025 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 12:36 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

زهير مراد يستوحي تصاميم الخريف من عالم الأساطير

GMT 05:47 2022 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فيرستابين بطلا لجائزة المكسيك الكبرى للفورمولا 1

GMT 03:43 2021 السبت ,01 أيار / مايو

تامر حسني يطرح بوستر فيلم ”مش أنا”

GMT 03:30 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الدفاع يغادر إلى البرتغال لدعم علاقات التعاون العسكري

GMT 09:04 2020 الإثنين ,27 إبريل / نيسان

تعرف على مواعيد قطارات السكة الحديد الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt