توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وحدة الموقف اللّبنانيّ… في وجه الإنزال الإيرانيّ

  مصر اليوم -

وحدة الموقف اللّبنانيّ… في وجه الإنزال الإيرانيّ

بقلم : خيرالله خيرالله

يمتلك لبنان صفات كثيرة تميّزه عن غيره من الدول. تشمل هذه الصفات قدرة أبنائه على تحقيق نجاحات تفوق كلّ تصوّر أينما ذهبوا في هذا العالم. لكن، يبقى أنّ الميزة الأهمّ التي يمتلكها لبنان، وهي نوع من أنواع العبقريّة، هي ميزة تدمير نفسه بنفسه. يفعل ذلك عن طريق العيش في الأوهام والاعتقاد في الوقت ذاته أنّ في الإمكان الهرب من الواقع الذي اسمه الجغرافيا من جهة، ورفض التعلّم من تجارب الماضي وتجاهل هذه التجارب من جهة أخرى.

 

تعني الجغرافيا وجود لبنان بين جارين هما إسرائيل وسوريا. إسرائيل تغيّرت بعد “طوفان الأقصى”، وسوريا تغيّرت مع رحيل بشّار الأسد. تعني تجارب الماضي ذلك الإصرار على العجز عن استيعاب أنّ اتّفاق القاهرة المشؤوم، الذي وُقّع في عام 1969، جلب الويلات على لبنان في غياب موقف موحّد من رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة، وقتذاك، من حصريّة السلاح.

تتجلّى العبقريّة اللبنانيّة في الوقت الراهن في وجود تجاذبات تتحكّم بالعلاقة بين رئيس الجمهوريّة جوزف عون ورئيس مجلس الوزراء نوّاف سلام في مرحلة بالغة الدقّة والحساسيّة تمرّ فيها المنطقة كلّها. مرّة أخرى تغيب القدرة اللبنانيّة عن استيعاب أهمّيّة ما يدور في المنطقة فيما على البلد حماية نفسه أوّلاً في ظلّ وجود لعبة أكبر منه بكثير تدور في الإقليم.

تسلّل إيرانيّ

سمحت هذه التجاذبات بين رئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس الوزراء بتسلّل إيرانيّ جديد إلى لبنان بهدف واضح كلّ الوضوح. جاء الأمين العامّ للمجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيرانيّ علي لاريجاني إلى بيروت برسالة فحواها أنّ خسارة “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة لسوريا لا تعني بأيّ شكل خسارتها للبنان.
لن يكون تهديد نعيم قاسم نجاحاً للابتزاز الذي يتعرّض له لبنان من إيران و”الحزب” فحسب، بل سيكون أيضاً مقدّمة لتفكّك لبنانيّ

على الصعيد العمليّ، جاء المسؤول الإيراني الكبير إلى بيروت مع إضاءة صخرة الروشة بصورتَي حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين. جاء بتوقيت مدروس للقول إنّ “الحزب” لا يمكن أنّ يتخلّى عن سلاحه، وإنّ الكلام الذي يصدر عن الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” وعن مسؤولين آخرين فيه هو كلام إيرانيّ، لا أكثر، بمعزل عن خسارة “الجمهوريّة الإسلاميّة” لسوريا وموقعها.

جاء لاريجاني ليقول إنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” استعادت المبادرة في لبنان، وإنّ ما جرى في الروشة ليس سوى بداية، على غرار مرحلة ما بعد حرب صيف عام 2006. خسرت إيران، مع “الحزب”، الحرب عسكريّاً. لكنّها حوّلت الهزيمة العسكريّة أمام إسرائيل إلى انتصار كبير على لبنان واللبنانيّين، وهو انتصار تُوّج في عام 2016 بانتخاب، مرشّح “الحزب”، ميشال عون رئيساً للجمهوريّة.

إيران

لم تكن لدى لبنان في عام 1969 أيّ مصلحة في توقيع اتّفاق القاهرة الذي رعاه جمال عبدالناصر ومثّل فيه لبنان قائد الجيش المارونيّ (إميل بستانيّ) والجانب الفلسطينيّ ياسر عرفات. المخيف أنّ لبنان وقّع الاتّفاق بعد أشهر قليلة من إنذار إسرائيليّ جسّده إنزالٌ في مطار بيروت دمّرت فيه وحدة كوماندوس، أواخر عام 1968، معظم طائرات أسطول شركة “طيران الشرق الأوسط”. جاء الإنزال الإسرائيليّ ردّاً على عمليّات خطف لطائرات مدنيّة إسرائيليّة انطلق منفّذوها من مطار بيروت. استهدفت إحدى تلك العمليّات خطف طائرة لشركة “العال” بُعيد إقلاعها من مطار أثينا على يد مجموعة فلسطينيّة أتت عبر مطار بيروت. ضمّت المجموعة طالباً كان يدرس في الجامعة الأميركيّة!
جاء لاريجاني ليقول إنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” استعادت المبادرة في لبنان، وإنّ ما جرى في الروشة ليس سوى بداية

هل تنصرف إسرائيل إلى إيران؟

يبدو تسلّل لاريجاني إلى لبنان أشبه بإنزال إيرانيّ يُفترض بأهل الحكم أخذه على محمل الجدّ، خصوصاً في ضوء احتمال توقّف حرب غزّة. مثل هذا التوقّف، الذي يأتي بعد تدمير بنيامين نتنياهو القطاع وتشريد أكثر من مليونَي فلسطينيّ، سيجعل إسرائيل تنصرف كلّيّاً إلى إيران وأدواتها في المنطقة. يطرح ذلك على لبنان، في عام 2025، أسئلة ذات طابع مصيريّ في حال كان مطلوباً تفادي كارثة جديدة تأخذ شكل كارثة ما بعد اتّفاق القاهرة، الذي فُرض على البلد فرضاً في ظلّ خلافات بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة.

فُرِض الاتّفاق، في ظلّ تواطؤ عربيّ، بحجّة أنّ اللبنانيّين منقسمون على أنفسهم، وأنّ الخيار أمامهم بين حرب أهليّة من جهة وقبول بالتخلّي عن السيادة على جزء من الأرض لـ”المقاومة” من جهة أخرى. الحرب الأهليّة حصلت في 1975 وجاء بعدها الاجتياح الإسرائيليّ الذي تعمّد تكريس شروخ بين اللبنانيّين في 1982.

كان لافتاً تحذير نعيم قاسم، في خطاباته الأخيرة، من حرب أهليّة، وكان تراجع الحكومة عن “حصريّة السلاح” خياراً لبنانيّاً. مثل هذا التراجع لن يؤدّي إلى حرب أهليّة. لن يكون تهديد نعيم قاسم نجاحاً للابتزاز الذي يتعرّض له لبنان من إيران و”الحزب” فحسب، بل سيكون أيضاً مقدّمة لتفكّك لبنانيّ يدرك نوّاف سلام مخاطره مثلما يدرك أبعاد الاعتداء على معلَم بيروتيّ ولبنانيّ مثل صخرة الروشة.
خسرت إيران، مع “الحزب”، الحرب عسكريّاً. لكنّها حوّلت الهزيمة العسكريّة أمام إسرائيل إلى انتصار كبير على لبنان واللبنانيّين

مقدِّمة للسّيطرة

مثل هذا الاعتداء الموصوف هو مقدِّمة للسيطرة على القرار السياسي اللبناني عن طريق ضرب هيبة الدولة اللبنانيّة ومؤسّساتها، تماماً كما حصل بعد حرب صيف 2006 التي تلاها اعتصام في وسط بيروت، ثمّ اتّفاق الدوحة الذي كرّس “الثلث المعطّل” تمهيداً للسيطرة الإيرانيّة على لبنان.

وحدها وحدة الموقف اللبنانيّ من “حصريّة السلاح” على كلّ الأراضي اللبنانيّة، بعيداً عن أيّ تجاذبات مسيحيّة – سنّيّة، تمثّل حاجزاً في وجه الإنزال الإيرانيّ المستجدّ في ذكرى اغتيال حسن نصرالله.

إقرأ أيضاً: الهروب إلى السّعوديّة لا يحلّ أزمة “الحزب”

من المفترض إدراك كلّ معنيّ بخطاب القسم الذي أدّاه جوزف عون، وتحدّث فيه عن حصريّة السلاح، أنّ إيران لا يهمّها مصير لبنان. تهمّها فقط المحافظة على موطئ قدم على البحر المتوسّط، مهما كانت جدّيّة حجم التهديد الإسرائيلي بحرب جديدة مدمّرة… ومهما كانت النتائج التي ستترتّب على مثل هذه الحرب التي تشكّل خطراً على وحدة بلد تحوّل فيه “السلاح” حليفاً أساسيّاً لاستمرار الاحتلال الإسرائيليّ لأراضٍ لبنانيّة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وحدة الموقف اللّبنانيّ… في وجه الإنزال الإيرانيّ وحدة الموقف اللّبنانيّ… في وجه الإنزال الإيرانيّ



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt