بقلم:عمرو الشوبكي
قصة الفنان المصرى الذى تطوع بكلام غير حقيقى فى مهرجان وهران بالجزائر الشقيقة، مشكلته أنه تصور أنه يمكن الحديث فى كل المجالات، وأنه خبير فى التاريخ والسياسة، ونسى أو تناسى أن الحديث خارج ما يعرفه يحتاج للتروى والتحقق من صحة معلوماته قبل أن يقولها على الملأ.
والحقيقة أن ما قاله تجاوز حتى التعبير المصرى الشهير «الملافظ سعد»، لأنه لم يكن فقط كلامًا غير موفق، لأنه تطوع بذِكر وقائع غير حقيقية جعلت البعض فى بلادنا ينبرى فى تذكير الجزائر بدعمنا لثورتها والتقليل من شأنها ولا مانع من العودة لتسجيلات عبد الناصر التى لم تسئ إلى الجزائر أو لأى بلد عربى آخر، حتى لو تباينت الرؤى فى بعض القضايا أو توقعت منها دعما أكبر مما قدمت.
المشكلة أن هناك نمطا متكررا من المجاملات الزائدة يمارسه البعض فى كثير من الاحتفالات التى يدعون إليها، سواء داخل مصر أو خارجها، وسواء كانت الجهة المنظمة دولة أو هيئة أو مؤسسة، فالمجاملة اللزجة باتت سلوك بعض الفنانين المصريين فى مناسبات عديدة، وهى غير مطلوبة منهم، ومخطئون لو تصوروا أنها ستكون جواز مرور لتكرار دعوتهم مرة أخرى فى هذه الاحتفالات.
أخطر ما ترتب على كلام الفنان المصرى فى الجزائر أنه دفع البعض للهجوم على الجزائر والتقليل منها، فى حين أن التاريخ يقول إن مصر فى عهد عبد الناصر دعمت الثورة الجزائرية التى صنعها ودفع ثمنها الباهظ والاستثنائى الشعب الجزائرى، وإن الجزائر دعمت مصر عسكريا عقب هزيمة ٦٧ وأثناء انتصار أكتوبر الذى صنعه ودفع ثمنه الشعب المصرى ونقطة وانتهى الموضوع.
فمصر لم تحرر الجزائر، والأخيرة لم ترسل قواتها الخاصة لحماية ميدان التحرير، فكلاهما كلام فارغ ومن يردده من أى بلد مهما كان جنسيته يسئ لنفسه أولا ولوطنه قبل أن يسىء للبلد الآخر.
يجب ألا نستمر فى سياسة المعايرة والتنمر وتحويل جوانب مضيئة فى تاريخنا العربى من التضامن والوحدة إلى مصدر للتنابز والكلام الفارغ، فبدلا من أن نفتخر جميعا بصور التضامن العربى الاستثنائية أثناء حرب أكتوبر ومشاركة الجيوش العراقية والجزائرية والمغربية والكويتية وغيرهم فى كل جبهات القتال فى مصر وسوريا، وإيقاف تصدير البترول إلى الغرب بقرار السعودية التاريخى والبطولات الشعبية فى مدن القناة والتضامن العربى من المحيط إلى الخليج مع الجيش المصرى المحارب.. كل ذلك هو ما يجب استدعاؤه وليس ترديد كلام فارغ من أى طرف وكثير منه لا أساس له من الصحة.
علينا أن نراجع معايير اختيار المسؤولين ونواب المجالس التشريعية ونعمل على تأهيلهم قبل أو بعد اختيارهم، وإن حكاوى الأهل الكرام والأصدقاء والحبايب لا يجب التعامل معها كمصادر موثوقة، وخاصة فى الأمور السياسية.