بقلم: أسامة الرنتيسي
يحتفل المسيحيون الخميس بعيد الميلاد المجيد، فكل عام والجميع بألف خير وبهاء وأمان.
يأتي الاحتفال هذا العام بعد عام قاس حرمتنا حرب غزة الوحشية من الاحتفال العيد الماضي وكثيرون حرموا أنفسهم من إضاءة شجرة عيد الميلاد.
وهذا العام عاودت جماعات التطرف إلى سلوكها البغيض في البحث عن أسباب الفرقة والفتنة ، فرفعوا من خطاب حرمة الاحتفال بالكريسماس وإضاءة شجرة الميلاد وتهنئة الإخوة المسيحيين بالأعياد، وهذا تطرف تغذيه عقليات عصبية لا تريد لنا الخير ولا العيش بسلام، فيا أمة عيسى لا تلتفتوا إلى هذه الخزعبلات وارموها خلفكم بعيدا.
هذا العام يأتي الاحتفال وقوات جيش الاحتلال الصهيوني تمارس وحشيتها وتشديد حصارها على كنيسة القيامة لمنع المسيحيين من الوصول إلى القدس، وهذا ما تفعله منذ سنوات والعالم صامت على وحشيتها وجبروتها.
كما تزداد المخاوف التي يولدها التطرف المنتشر في بلادنا العربية، وفي ظل توسع النزاعات التي في جذرها غير المخفي نزاعات طائفية، يتم فيها القتل على الهُوية والاسم، ولهذا ازدحمت في السنوات الماضية كنائس الأردن من المهجرين المسيحيين من العراق وسورية، بعضهم يتخذ الأردن محطته الأولى للهجرة إلى خارج العالم العربي، وبعضهم الآخر لا يملك مقومات الهجرة، فينتظر إلى حين يستتب الأمن في بلاده للعودة الى وطنه وبيته وأهله.
قبل سنوات ظهرت أرقام مرعبة حول انخفاض أعداد المسيحيين في الأردن بنحو 3 %، والأكثر رعبا كانت دراسة وتقرير رسمي فلسطيني عن تسارع وتيرة هجرة المسيحيين من الأرض المقدسة منذ عقدين وان هجرة المسيحيين متواصلة وبتسارع.
ونتج عن ذلك انخفاض حاد في عدد المسيحيين في القدس وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة، ما أدى إلى التراجع التدريجي للوجود المسيحي والطبيعة المسيحية للمدينة المقدسة.
أرجعت أسباب تراجع عدد المسيحيين في الأردن إلى عوامل عدة، منها ما ارتبط بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والخصائص الثقافية والمهنية، إضافة إلى الهجرة وجاذبية الدول التي هاجروا إليها.
اما تقرير منظمة التحرير فقد أفاد أن الاسباب التي تدفع المسيحيين إلى الهجرة هي نقص الحرية والأمن والتدهور الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والتعليم خارج البلاد ولمّ شمل العائلات والجدار الإسرائيلي والحواجز العسكرية والتطرف الديني.
مهما تكن الاسباب، فإن تفريغ الارض العربية من أحد عناصر مكوناتها الاساسية جريمة مكتملة العناصر، وتفريغ القدس تحديدا من احد جدران حماتها الحقيقيين، هي سياسة صهيونية تعرف جيدا حقيقة المسيحيين العرب.
وحتى لا نفعل مثل النعامة وندفن رؤوسنا في الرمل، لنتحدث بصراحة، عن أن حجم القلق لدى المسيحيين العرب، ليس في الأردن وفلسطين تحديدا، بل في معظم الدول العربية، في ازدياد منقطع النظير، وتضاعف اكثر بعد مخرجات الربيع العربي، وسيطرة الخطاب الديني على الخطاب المدني، واصبحت المجتمعات مختطفة للطروحات الدينية والمذهبية والصراعات الطائفية، وبعد ممارسات عصابة داعش الإجرامية في العراق وسورية وليبيا ارتفع منسوب القلق أكثر وأكثر.
أقولها بالصوت العالي إن بقاء المسيحيين العرب هو جزء أساسي من مكونات الأمة ومصلحة وطنية للأقطار العربية والأمة بشكل عام وفي فلسطين والقدس بشكل خاص.
الدايم الله…