توقيت القاهرة المحلي 01:40:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العملية (قد) تنجح.. لكن المريض (قد) يموت؟

  مصر اليوم -

العملية قد تنجح لكن المريض قد يموت

حسن البطل

الطفلات صرن أُمّهات.. هذه سُنَّةُ الحياة، غير أن الطفلات هُنَّ بنات إخوتي الإناث، وصرن أُمَّهات في غربتي "الأبدية" عن سورية.. ربما هذه ضريبة عربية على الفلسطيني. ما هو غير العادي؟ جميع إخوتي الذكور والإناث يعيشون في سورية، لكن طفلات إخوتي الثلاث اللواتي صرن أُمَّهات جميعهن تزوّجن من شبّان سوريين. يحقُّ لي، والحال هذه، أن أكون تماماً فلسطينيا ـ سوريا، فقد عشت سورية في تحوُّلاتها، وفوق هذا صرت "صهراً" لسورية السورية ـ الفلسطينية. سورية، الآن، هي بالنسبة للعالم ولبعض العرب: معارضات متعارضة ونظام عنيد، وبالنسبة للفلسطينيين هي ما كان "البلد الأمين" أولاً، وهي "المريض السوري" الآن. وجع على وجع، وأسى فوق الأسى.. أو كما قالت امرأة أعرابية لحبيبها: "ويلي عليك وويلي منك يا رجل"، أو كما يقول المثل الفلسطيني "عمر الأسى لا يُنتسى وإنتو أساكم زاد"! واحدة من بنات إخوتي تزوجت من شيوعي، علوي، سوري وتقيم في طرطوس. زوجها نشيط في المعارضة، وهي نشيطة على صفحتها في الـ "فيسبوك" بالاهتمام بكل واردة وشاردة في فلسطين. طرطوس؟ كانت المرفأ البحري لرحلاتنا المدرسية، وصارت مرفأ الهجرة الداخلية السورية من مختلف الطوائف، حيث لجأ إليها 400 ألف مواطن سوري إضافي. عندما تقول لي ابنة أختي إن النسيج السوري لم ينفرط تماماً بعد، أتذكر كيف كان النسيج اللبناني إبّان الحرب الأهلية اللبنانية: كنت جاراً وصديقاً لجيران لبنانيين موارنة في بيروت الغربية طيلة تلك الحرب، واللاجئون السوريون إلى "مرفأ" الأمان في طرطوس هم صورة موزاييك عن المجتمع السوري: قومياً ودينياً ومذهبياً. في الحرب الأهلية اللبنانية كانت مشاريع للتقسيم ومخاوف عنه، وكنت أرى أن ما يمنع هذا هو "ثقافة حياة" تشدّ اللبنانيين بعضهم إلى بعض، وفي الحرب الأهلية السورية قد تنتصر المعارضة على النظام، أو ينتصر النظام على المعارضة.. لكن الولاء السوري لسورية سوف ينتصر على الاثنين.. غير أن فلسطينيي سورية خسروا "البلد الأمين" من بلاد اللجوء. يذهب هذا "الربيع العربي" بالشعوب إلى عصبياتها القديمة وطوائفها ومذاهبها، وقد قيل في حرب لبنان الأهلية إن هناك 16 طائفة لبنانية، لكن هناك شعبا واحدا في لبنان، هو الشعب الفلسطيني! .. غير أن الفلسطينيين في النسيج اللبناني غيرهم في النسيج السوري.. ومن ثمّ، فهناك فلسطينيون في جبهة المعارضة، وفلسطينيون في جبهة النظام.. وفي النتيجة؟ اضطر نصف الفلسطينيين في سورية إلى هجرة داخلية وخارجية (ربع مليون من أصل نصف مليون) وهذه أعلى بأضعاف من نسبة الهجرة الداخلية والخارجية للسوريين. أولاً بأول يطلعني موقع "الطيرة ـ نت" على حال الفلسطينيين في أكبر تجمعاتهم (يسمون اليرموك مخيماً، مع أنه مدينة أو ضاحية من ضواحي دمشق) ويطلعني بالذات على أسماء القتلى من سكانه ذوي الأصول الطيراوية مثلي، فأجد في بعضهم أبناء عمومة وخؤولة. في الأسبوع الأول من شباط الجاري سقط 12 فلسطينياً في اليرموك، بينهم 6 من أسرة واحدة، أي أكثر من قتلى الفلسطينيين في فلسطين. بعض التجمعات الفلسطينية في سورية فلسطينية صرفة تقريباً مثل مخيم النيرب، لكن في ريف دمشق يتداخل النسيج السوري كلياً بالنسيج الفلسطيني، خاصة في "مخيم" اليرموك، وهو بوابة العاصمة دمشق. ما الذي يجري في سورية؟ حرب أهلية ـ إقليمية ـ عالمية، وبالنسبة لرئيس وزراء العراق، نوري المالكي، الذي عاش فترة في سورية، فإن النظام لن يستسلم ولو لحق الخراب والدمار بالبلد السوري. أتذكر كيف برر الأسد ـ حافظ تدخل جيشه في لبنان. قال: موارنة لبنان خائفون وسيقاتلون للنهاية دفاعاً عن طائفتهم.. ومثل هذا يقول نوري المالكي عن سورية: الحزب والنظام والطائفة سيقاتلون دفاعاً عن حكمهم وحياتهم. وفي النتيجة؟ يقال أحياناً أن العملية الجراحية نجحت.. لكن المريض مات، والذي في خطر الموت هو سورية البلد! كانوا يقولون: قطر تريد مد أنابيب غاز عَبر سورية إلى تركيا وأوروبا لمضاربة احتكار الغاز الروسي لأوروبا؟ وكانوا يقولون إن الغرب لا يتدخل في سورية عسكرياً لأنها بلاد بلا نفط تقريباً. والآن، يقولون عن مكامن غاز هائلة بين حمص ودمشق! النظام يتصرّف وفق حسابات حلفائه: "ربيع بكين" فشل، و"الربيع الأخضر" في إيران فشل، وروسيا انتصرت على التمرُّد الشيشاني.. فلماذا لا ينتصر النظام السوري بدوره؟ هذه حسابات خاطئة، لأن توازنات الصين وإيران وروسيا والجزائر، أيضاً، غير توازنات سورية. سورية وجع سوري وعربي وفلسطين.. وشخصي، أيضاً. صورة العالم العربي الجديد سترتسم في مصر وسورية. نقلاً عن جريدة "الأيام"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العملية قد تنجح لكن المريض قد يموت العملية قد تنجح لكن المريض قد يموت



GMT 01:40 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

حرب خفية فوق التربة القمرية

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

ثورة الطلبة؟!

GMT 01:34 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

البقاء والانتماء... تعقيب غاضب

GMT 01:03 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

أهمية السودان

GMT 22:18 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

فى 8 مايو 1250

GMT 22:17 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

المفاوضات؟!

GMT 22:16 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

الفن الهابط

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:37 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

زينة تضع شروطاً للبطولة الجماعية
  مصر اليوم - زينة تضع شروطاً للبطولة الجماعية

GMT 17:22 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اتحاد الكرة يرفض دفع مستحقات فتح الله المتأخرة

GMT 06:38 2016 الجمعة ,26 شباط / فبراير

انجي المقدم تكشف أحداث دورها في مسلسل "سقوط حر"

GMT 09:27 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

تونس تسترد قطعا أثرية نقدية من النرويج

GMT 01:00 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

441 مليون دولار صادرات بترولية مصرية مطلع 2021

GMT 04:02 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon