توقيت القاهرة المحلي 08:28:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شيطنة الجسد الأنثوى

  مصر اليوم -

شيطنة الجسد الأنثوى

بقلم:خالد منتصر

ما بين غاوى تريند يلتقط صورة لفنانة وهى غافلة فى جلسة عرض خاص، وبين مسؤول فى محافظة من محافظات الدلتا يمنع المرأة من الجلوس بجانب السائق ويوزع الفرمان فى موقف الميكروباصات، مرورا بقتل فتاة فى الجامعة وسحل أخرى فى الشارع لأنها غير محجبة، وفتوى من داعية أن أى تحرش بطفلة هو نتيجة ملابسها المثيرة، ما بين هذا وذاك، ووسط هذا الضجيج واللغط يقف جسد المرأة متهما بالغواية والإثم والخطيئة والنجاسة، المجتمع المتدين بطبعه يقول إن الحلوى المكشوفة يجتمع حولها الذباب، فيطالبون بتغطية الحلوى ودفنها بدلا من مقاومة الذباب وتربيته وتهذيب أخلاقياته، السؤال: هل هذا التربص بجسد المرأة والتلصص عليه، وقولبة الأدمغة على النصف الأسفل منه، واختزال الخطاب المزمن إليها على أنها مجرد عضو تناسلى يسير على قدمين، وشطب العقل من معادلة التعامل والحوار، هل كل هذا عرض لمرض نفسى اجتماعى؟، إنه نمط تفكير عقلى جماعى له جانب نفسى والأهم له جوانب ثقافية متجذرة، ومن ضمن الأسباب الاجتماعية لانتشار التربص والتلصص على الجسد الأنثوى عندنا، الكبت الجنسى، شيطنة الجسد والحديث عنه، ربط الجنس بالذنب والخطيئة وليس ربطه بالحب والفهم والحميمية، النتيجة تحويل الجسد إلى «محرَّم مغرٍ»، وكل محرَّم يتحول بدوره إلى بؤرة هوس، وهستيريا تربص ومطاردة، غياب التربية الجنسية السليمة، لا وجود لمعرفة علمية، لا وجود للغة صحية للجسد، فالجسد مجرد وعاء شهوانى، لا تمييز بين الرغبة والسلوك، النتيجة أن الرغبة الطبيعية صارت تُدار بطرق طفولية وسرّية وعدوانية، تنتشر الازدواجية الأخلاقية، يصبح الجسد «حراما» فى العلن، ومُستهلك فى الخفاء (إباحية، تحرش، تعليقات جارحة)، هذا الفصام يُغذى السلوك التلصصى المراقب للجسد الأنثوى، شيطنة هذا الجسد تعريفها، باختصار، عملية اجتماعية يتم فيها تصوير جسد المرأة على أنه مصدر فتنة، وخطر أخلاقى، تهديد للنظام، سبب الانحراف وهلاك المجتمع، فهى شيطان غواية يسكن لحما بشريا، هنا المجتمع لا يُرى الجسد كجسد إنسانى بل كلغم ديناميت، أو قنبلة أخلاقية موقوتة يجب تغطيتها، مراقبتها، وضبطها، وخلع فتيلها، تتم الشيطنة بقلب المسؤولية وتوجيه أصبع الاتهام للضحية، بدلا من أن يُطلب من الإنسان أو الرجل ضبط سلوكه، يُطلب من المرأة إخفاء ودفن جسدها فى كفن، ويُبرَّر فشل الرجل فى ضبط سلوكه بأنه «طبيعى» فهو غيور بطبعه، طاقته الجنسية مشتعلة بالغريزة، يتحول الجسد من حق إلى اتهام، ومن كيان خاص إلى عورة تحتاج سترا ووصاية، الجسد الأنثوى يصبح هو ذنب بالسليقة، نجاسة بالفطرة، أى لمحة جمال هى إغواء وفتنة، أى حضور طاغٍ أو إثبات ذات هو تهديد للذكر، الجسد ذاته يصبح «مُدانًا» ليس لأنه فعل جريمة بل لمجرد أنه موجود!!، الشيطنة تتم أيضا بتجريد الجسد من إنسانيته، ونزع هويته، الجسد لا يُناقش حتى كعضو بيولوجى، بل كعورة، كخطر، كتهديد، هو شىء يجب طمسه لا فهمه، يزداد الكبت الذى لا يفرز ولا يصنع عفة بل يخلق هوسا مرضيا، تصبح الآثار النفسية والاجتماعية على المرأة خطيرة، ينمو بداخلها شعور دائم بالذنب، اغتراب حاد عن جسدها، قلق مزمن، اضطرابات فى علاقتها مع جسدها، وتحدث الكارثة الكبرى بأن تسوق المرأة لقهرها، وتستلذ بقيودها، وتهتف مطالبة بتكفينها ووأدها، وللأسف تصل إلى مستويات مازوخية فى التعامل مع جسدها، وتجارى المزاج السلفى للمجتمع وتوقع قبولا ضمنيا للعنف أو التحرش وتبرر ذلك السلوك الإجرامى بجملة «يمكن أنا السبب»!!، تلقى اللوم على جسدها المسكين فتشيطنه هى نفسها!!، ما أقسى أن تتحول المرأة إلى جلاد دموى لبنات جنسها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شيطنة الجسد الأنثوى شيطنة الجسد الأنثوى



GMT 08:28 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

مسلة فرعونية مقابل ساعة ميكانيكية!

GMT 08:27 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

بريجيت باردو.. «وخلق الله المرأة»!

GMT 08:24 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

حكايات القطار العجيبة

GMT 08:23 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

سياسيون جدد

GMT 08:20 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الخطاب وإرادة الإصلاح (3)

GMT 08:18 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

أوروبا في عهد ترامب: قوة أم انكماش؟

GMT 08:15 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

صُباع الزمّار في لندن

GMT 08:12 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الثورة التكنولوجية

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 00:46 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يهدد بضربة عسكرية ضد طهران ويطالب حماس بنزع السلاح
  مصر اليوم - ترامب يهدد بضربة عسكرية ضد طهران ويطالب حماس بنزع السلاح

GMT 15:46 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

انخفاض جماعي في أسعار المعادن والفضة تهوي لأقل من 80 دولارًا
  مصر اليوم - انخفاض جماعي في أسعار المعادن والفضة تهوي لأقل من 80 دولارًا

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 09:35 2025 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 12:36 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

زهير مراد يستوحي تصاميم الخريف من عالم الأساطير

GMT 05:47 2022 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فيرستابين بطلا لجائزة المكسيك الكبرى للفورمولا 1

GMT 03:43 2021 السبت ,01 أيار / مايو

تامر حسني يطرح بوستر فيلم ”مش أنا”

GMT 03:30 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الدفاع يغادر إلى البرتغال لدعم علاقات التعاون العسكري

GMT 09:04 2020 الإثنين ,27 إبريل / نيسان

تعرف على مواعيد قطارات السكة الحديد الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt