توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حربٌ قائمة وحربٌ قادمة

  مصر اليوم -

حربٌ قائمة وحربٌ قادمة

بقلم :ناصيف حتّي*

بعد شهرٍ من الزَّمن تقريباً، تُكمل الحربُ القائمةُ على جبهتي غزةَ وجنوبِ لبنان عامَها الأولَ. وقد بدأنا نشهدُ مع التَّطوراتِ الحاصلةِ والمتسارعةِ في الضَّفةِ الغربيةِ ملامحَ حربٍ قادمة، ويتَّضحُ أنَّ أهداف إسرائيل تختلفُ بين الحروبِ التي تشنُّها. ثلاثُ جبهات كلٌّ لها ديناميتُها الخاصةُ وأهدافُها المختلفة. حربُ غزةَ ذاتُ أهدافٍ سياسيةٍ أمنيةٍ استراتيجيةٍ صعبةِ التحقيق، إسرائيلُ تريدُ القضاءَ على «حماس» والسيطرةَ الأمنيةَ العسكريةَ المفتوحةَ في الزَّمان على القطاع. ثلاثيةُ استعادةِ الرَّهائنِ، والقضاءُ على «حماس»، وتأمينُ الحدودِ التي يرفعُها نتنياهو كمطالبَ مطلقةٍ، تلاقِي معارضةً من المؤسَّسة العسكريةِ لعدمِ واقعيتِها، والتي من دون التَّمسكِ بها، تسقطُ حكومةُ اليمينِ المتشدد. فالتفاوضُ كما هو واضحٌ منذ اليوم الأول يندرجُ في عمليةِ تقطيعِ الوقتِ من طرف نتنياهو، حتى تحقيقِ أهدافِه الصعبةِ التحقيق.

خلاصةُ الأمرِ أنَّ هذه الجبهةَ ستشهدُ حربَ استنزافٍ مستمرةً تحملُ تصعيداً وتخفيضاً للقتال، وفي أفقٍ زمنيٍّ مفتوح. لا يدركُ أحدٌ بثقةٍ مداه.

جبهةُ جنوبِ لبنان ذاتُ الأهميةِ الأمنيةِ الاستراتيجية تخضع أيضاً لمنطقِ حرب الاستنزاف، فيما تستقر قواعدُ اشتباك، تطورت عن تلك التي كانت ناظمةً للأوضاع من قبل على الصعيدين الجغرافي والناري، ولكنَّها محكومةٌ بمنطق عدمِ الانزلاق إلى حربٍ مفتوحة لا يريدُها أصحابُ استراتيجيةِ وحدةِ الساحات، ولا تستطيع إسرائيلُ القيامَ بها لمخاطرِها في الوقت الراهن. حربُ استنزافٍ تواكبُها عمليةُ بلورةِ تفاهمٍ غيرِ مكتوبٍ عبر الأطرافِ الثالثة لإدارة حربِ الاستنزافِ المفتوحة أيضاً في الزمان والمقيدة، بعد التوسيع الذي حصل، في المكان.

الحربُ القادمة التي تسهمُ حرائقُ الحربين القائمتين في تسخينِ جبهتِها تحمل أهدافاً هوياتيةً أساسيةً وحيوية بالنسبةٍ لإسرائيل. حرب تتعلَّق بـ«قلب الصراع» وتندرجُ في تسريعِ عمليةِ إقامة «إسرائيل الكبرى» من نهرِ الأردن إلى البحرِ الأبيض المتوسط، وهو الهدفُ الاستراتيجي والعقائدي الذي يحظَى بدعمٍ جدِّ واسعٍ ومتزايدٍ في إسرائيل. وهي سياسةٌ لم تجدْ ما يردعُها أو يجعلُها مكلفةً بشكلٍ كبير حتى الآن، أو حتى لإعادةِ التفكيرِ في التخلّي ولو التَّدريجي عنها. تأدية الطقوس التلمودية في باحاتِ المسجدِ الأقصى ووعد بن غفير وزير الأمن القومي بإقامة كنيسٍ في الأقصى يندرجان في هذه السياسةِ، التي تهدّدُ بتديين الصّراع. وهو أمرٌ شديدُ الخطورةِ ويحملُ تداعياتٍ تتعدَّى منطقةَ الصّراع. وللتَّذكير أشرنَا مراراً في الماضي إلى أنَّ الظُّروف كافةً مهيأةٌ موضوعياً بسببِ السياسةِ الاستيطانيةِ الناشطةِ في الضَّفةِ الغربية والقدسِ الشرقية، لحتميةِ حصولِ انفجارٍ كبير (فهناك أكثرُ من 750 ألفَ مستوطنٍ و176 مستوطنةً و186 بؤرةً استيطانية).

وقد بدأت التطورات في شمالِ الضَّفةِ الغربيةِ في منطقةِ جنين وفي جنوبِها في الخليل، تعكس حالةَ الغليانِ وبداية «الحرب القادمة». وهي الحربُ الأخطرُ في أبعادِها وتعقيداتِها وتداعياتِها، بسببِ الأهمية المطلقة التي تحظَى بها لدى إسرائيلَ على مستوى العقيدةِ الحاكمةِ والناظمةِ للسّياسات الإسرائيلية. ما يجري في الضَّفةِ الغربية كرَّس وحدةَ السَّاحةِ الفلسطينيةِ في الحربِ التي بدأت في غزة. ازدياد سياسةِ تهويدِ الديمغرافيا والجغرافيا في الضفة الغربية والقدسِ الشرقية وخلقُ ظروفٍ ضاغطةٍ بغيةَ طردِ أبنائها وازديادُ أعمالِ التعدي على المسجد الأقصى والتَّحريضُ الرسمي على ذلك، كلُّها عناصرُ تشكّلُ الفتيلَ للانفجارِ الكبير... ولا يوجدُ موقفٌ دوليٌّ رادعٌ وضاغطٌ على إسرائيلَ، من طرفِ أصحاب القرارِ والقدرةِ، لوقفِ سياسةِ التهويد المطلق وذاتِ الأبعاد المختلفةِ في الضَّفة الغربية والقدس الشرقية. إضافةً إلى أنَّ الواقعيةَ السياسيةَ ومنعَ حصولِ حريقٍ تتخطَّى شراراتُه، بأشكالٍ مختلفة، جغرافيةَ الحرب القائمة، تفرض الضَّغطَ على إسرائيل لاحترامِ القراراتِ الدولية ذاتِ الصلة. كلُّها عناصرُ تستدعي البدءَ بفرض الوقفِ الكلّي والشاملِ لإطلاق النَّار كشرطٍ أكثرَ من ضروري لمنعِ الانزلاق مع السياسةِ الإسرائيلية الحالية، نحو الحربِ القادمةِ في الضَّفةِ الغربية، التي بدأت إرهاصاتُها بالظهور: حرب كبيرة بأشكالٍ وصيغٍ وعناوينَ ودرجاتٍ مختلفة لن تكونَ في نهايةِ الأمرِ لمصلحة أحدٍ في الإقليم أو خارجه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حربٌ قائمة وحربٌ قادمة حربٌ قائمة وحربٌ قادمة



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt