توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة

  مصر اليوم -

الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة

بقلم :ناصيف حتّي*

يبدو الشرق الأوسط على مفترق طرق بين الاستقرار والمزيد من الدمار. يعيش الإقليم على صفيح ساخن من الحروب/ الأزمات المفتوحة في الزمان والمكان والمترابطة بدرجات مختلفة وبشكل مباشر أو غير مباشر بسبب الجغرافيا السياسية، وكذلك بشكل خاص بسبب الاجتماع، وتحديداً العقائد الهوياتية المختلفة والعابرة للدول الوطنية. فهذه الأخيرة عادة ما تسهم في التعبئة العقائدية والسياسية التضامنية بدرجات مختلفة، وتوظف في لعبة صراع القوى في المنطقة، الأمر الذي يزيد من تعقيدات الوضع الإقليمي.

يشهد الشرق الأوسط ثلاثية هُدن مؤقتة باسم العمل على وقف إطلاق النار الكلي والشامل، أو باسم التهيئة للتوصل إلى ذلك. وقف إطلاق النار أمر ضروري بالطبع، ولكن في حالة بعض الصراعات وخصوصياتها يبقى المطلوب والضروري العمل على التوصل إلى تسوية سياسية لضمان عدم العودة مجدداً إلى الحرب المفتوحة أياً كانت درجة حدتها أو حجم مسرحها الجغرافي.

أولى هذه الحروب، الحرب الإسرائيلية على غزة التي تحمل معها حرباً بشكل آخر، حتى الآن، على الضفة الغربية: عنوان هذه الحرب إلغاء الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، باعتبار أنه على أرض غيره، وتهجيره ولو بشكل تدريجي تحت عناوين مختلفة، وتكريس ضم الضفة الغربية، وقيام «إسرائيل الكبرى». التوصل إلى هدنة مؤقتة في غزة يندرج في هذه السياسة: سياسة شراء الوقت لخلق واقع جديد على الأرض الفلسطينية، الأمر الذي يعني عملياً تسخين الأوضاع على الأرض ليأتي الانفجار مجدداً في مرحلة لاحقة؛ إذ تكفي «شرارة» من هنا أو هناك لإعادة الانفجار من جديد...

ثاني هذه الحروب، الحرب الإسرائيلية على لبنان بعد 17 عاماً من الهدوء تحت عنوان مرجعية قرار مجلس الأمن 1701 (الذي جاء لتكريس وقف إطلاق النار بعد حرب تموز 2006). القرار الذي أحدث وكرس وأدار تفاهم أمر واقع على الأرض في الجنوب. صاعق التفجير لتلك الحرب كان قرار «حزب الله» بفتح جبهة الجنوب تحت عنوان «وحدة الساحات» تضامناً مع «حماس»، وأيضاً مع ما يحمله ذلك من مكسب على صعيد الصراع الاستراتيجي في المنطقة، الأمر الذي وفر فرصة ذهبية لإسرائيل للرد عبر تصعيد مفتوح في المكان والقوة النارية بغية تحقيق الهدف الإسرائيلي الأساسي بإنهاء «حزب الله» عسكرياً، الأمر الذي خلق تعقيدات مزدوجة على الصعيدين الداخلي والخارجي. يجري ذلك في وقت ولبنان في أمسِّ الحاجة إلى إعادة تفعيل دور الدولة، في المضمون وليس في الشكل بالطبع، على كافة الأصعدة السيادية والإصلاحية المختلفة، وذلك لولوج باب الإصلاح الشامل والضروري لإنقاذ «المركب اللبناني» من الغرق.

ثالث هذه الحروب، الحرب الإسرائيلية على إيران والتي شاركت فيها واشنطن، ثم فرضت على إسرائيل وقفها. إنه أيضاً منطق الهدنة الذي لن يتحول إلى العمل على وقف دائم وفعلي للحرب التي من الممكن أن تقوم بها إسرائيل مرة أخرى ما دام «الملف النووي الإيراني» لم يأخذ طريقه إلى الحل. المفاوضات المباشرة حول الطاولة ما زالت معلقة بسبب التناقض بين الهدفين الأميركي والإسرائيلي، رغم بعض التمايز بينهما، من جهة والإيراني من جهة أخرى: صفر تخصيب في إيران بالنسبة لواشنطن مع القبول بتخصيب تحت السقف المقبول دولياً ولكن خارج إيران. وبالطبع موقف إسرائيل أكثر تشدداً في هذا المجال خوفاً من تحويل النووي المدني إلى عسكري من خلال زيادة مستوى التخصيب المطلوب لذلك سراً. بينما تؤكد إيران على حق التخصيب حسبما تسمح به الاتفاقيات الدولية المعنية بهذا الأمر وعلى أراضيها...

الحلول القانونية والشرعية التي تستند إلى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وأعمالها كلياً تسمح بتوفير الضمانات الدولية الضرورية لاحترامها والعمل بها. وللتذكير، فإن إعادة إحياء عملية السلام على أساس المرجعيات الدولية المعروفة والتي تخرقها إسرائيل بشكل كامل ودائم، والتوصل إلى حل الدولتين يسمحان بتوفير السلام المطلوب.

بالنسبة إلى لبنان، فإن المطلوب العمل على العودة إلى أعمال اتفاقية الهدنة لعام 1949، وهي مسؤولية دولية، وبشكل خاص تستدعي دوراً فاعلاً من القوى الدولية المنخرطة بقوة في «الملف اللبناني»، إلى أن يتحقق السلام الشامل والدائم الذي هو مصلحة وطنية لبنانية أساسية. وبالنسبة للنووي الإيراني، فسياسات بناء الثقة وأحكام منطق الدولة في العلاقات بين الدول واحترام القرارات والقوانين الدولية فيما يتعلق بالتخصيب النووي تسهم في تسوية هذا الملف الساخن.

فهل سيبقى منطق الهدن والحروب المتقطعة يحكم تطور الأوضاع في هذه الملفات الساخنة والضاغطة في الإقليم، أم ستلج المنطقة باب الحلول الشاملة ولو ضمن مقاربات تدريجية كالحلول المبنية على القواعد والقوانين والأعراف الدولية الناظمة للعلاقات بين الدول وعلى القرارات الأممية ذات الصلة لفتح الباب على مصراعيه أمام بناء شرق أوسط جديد. سؤال يبقى مطروحاً والتطورات القادمة ستدل على الطريق الذي سيأخذه الإقليم مستقبلاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة الشرق الأوسط والهُدن المؤقتة



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt