توقيت القاهرة المحلي 09:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترامب وبي بي سي (2): حين تتحوّل الأخطاء المهنية إلى وقود للصدام الشعبوي

  مصر اليوم -

ترامب وبي بي سي 2 حين تتحوّل الأخطاء المهنية إلى وقود للصدام الشعبوي

بقلم : عبد اللطيف المناوي

بعيدًا عن التفاصيل القانونية البحتة، لا يمكن فصل الدعوى التى رفعها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ضد هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» عن تاريخ طويل من الصدام بينه وبين وسائل الإعلام التقليدية. فمنذ صعوده السياسى، لم يتعامل ترامب مع الإعلام باعتباره سلطة رقابية أو شريكًا فى المجال العام، بل بوصفه خصمًا مباشرًا. خطاباته المتكررة التى تصف الصحافة بـ«العدو» أو «آلة التحريف» لم تكن مجرد انفعالات عابرة، بل جزءًا من بناء سردية سياسية تقوم على المواجهة الدائمة مع «النخب» والمؤسسات.

فى هذا السياق، يرى كثير من المراقبين أن اللجوء إلى القضاء فى هذه القضية لا يمكن قراءته فقط كمسعى لتحقيق العدالة، بل كحلقة جديدة فى استراتيجية ضغط أوسع. فالدعوى، بحجمها المالى وحدتها الخطابية، تحمل رسالة ردع واضحة؛ أى خطأ مهنى، مهما كان محدودًا أو معترفًا به، يمكن تحويله إلى معركة سياسية وقضائية كبرى. وهنا يتجاوز الأمر حدود تصحيح الخطأ أو المطالبة بالاعتذار، ليصبح استخدامًا للمنصّة القضائية كأداة فى الصراع مع الإعلام.

وهنا نصل إلى جوهر الإشكال. نعم، أخطأت بى بى سى فى التقديم التحريرى لمقطع حساس من خطاب سياسى شديد التأثير، وقد أقرت بالخطأ وقدّمت اعتذارًا، بل دفعت ثمنًا داخليًا عبر مساءلة إدارية وتنظيمية. هذا السلوك، فى حد ذاته، يعكس طبيعة المؤسسات الإعلامية العريقة التى تخضع لآليات محاسبة داخلية صارمة.. لكن فى المقابل، يذهب ترامب إلى أقصى مدى ممكن فى توظيف السلطة القضائية فى مواجهة مؤسسة إعلامية، بما يطرح تساؤلات حقيقية حول الحدود الفاصلة بين الدفاع المشروع عن السمعة، وبين إساءة استخدام أدوات السلطة لتحقيق مكاسب سياسية ورمزية.

القضية، فى حقيقتها، ليست نزاعًا قانونيًا فحسب، بل مرآة لمرحلة عالمية تتسم بتصاعد الشعبوية، وتآكل الثقة بين الإعلام والسلطة، وتحويل الأخطاء المهنية، التى كانت تُعالج سابقًا بالتصحيح والاعتذار، إلى معارك وجودية. وهى تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول مستقبل العلاقة بين الإعلام والسلطة، وحدود النقد، ومعنى المسؤولية فى زمن الصدام المفتوح.

على المستوى السياسى، تعكس هذه القضية جانبًا من المشهد الأمريكى المعاصر، حيث أصبحت المواجهة مع الإعلام جزءًا من أدوات التعبئة الشعبية. فترامب يوظف هذا الصدام لتكريس صورة «الزعيم المحاصر» من قبل مؤسسات إعلامية كبرى، ما يعزز مناخًا شعبويًا يرى فى الإعلام طرفًا سياسيًا لا ناقلًا للخبر. هذا المنطق يريح جزءًا من الجمهور الغاضب، لكنه فى الوقت ذاته يضعف أحد أعمدة الديمقراطية، وهو وجود إعلام حر قادر على النقد دون خوف من العقاب السياسى المقنّع.

هل هناك ما يمكن أن يكون استخلاصًا مهماً لنا، كإعلام بشكل عام، ونحن منشغلون، أو هكذا يبدو، بفهم وإصلاح الشأن؟

فلنحاول..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب وبي بي سي 2 حين تتحوّل الأخطاء المهنية إلى وقود للصدام الشعبوي ترامب وبي بي سي 2 حين تتحوّل الأخطاء المهنية إلى وقود للصدام الشعبوي



GMT 08:36 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

أقيل كي لا يستقيل

GMT 08:35 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

القتل فظيع والأفظع السكوت عن ضرره!

GMT 08:33 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

المغرب العربي 2025: اقتصادات الصمود النسبي

GMT 08:32 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

المُتنبّي وحصان ترمب الجامح!

GMT 08:31 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

أوكرانيا: انتصار روسيا الأجوف

GMT 08:29 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

إيران وإسرائيل والالتباس اللبناني

GMT 08:27 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

جُوع الفيس

GMT 08:25 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

في انتظار سيجارة مع داوود عبدالسيد!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 01:05 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

اجتماع الناقورة يبحث سبل منع استئناف الحرب مع لبنان
  مصر اليوم - اجتماع الناقورة يبحث سبل منع استئناف الحرب مع لبنان

GMT 03:34 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تكشف أسباب فقدان التحكم في الشهية
  مصر اليوم - دراسة تكشف أسباب فقدان التحكم في الشهية

GMT 11:42 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

باسل خياط يعود للدراما المصرية بمسلسل سيكودراما
  مصر اليوم - باسل خياط يعود للدراما المصرية بمسلسل سيكودراما

GMT 20:58 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

اختراق حساب نفتالي بينيت على تلغرام وتسريب مراسلات وصور
  مصر اليوم - اختراق حساب نفتالي بينيت على تلغرام وتسريب مراسلات وصور

GMT 01:57 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

السعودية وروسيا تعلنان إعفاء التأشيرات المتبادل

GMT 21:56 2015 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

أميرة شوقي تُنشئ أول فريق مسرحي للأطفال المعاقين

GMT 00:46 2025 الأربعاء ,14 أيار / مايو

إجراءات أمنية جديدة في مطار بيروت

GMT 03:52 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 09:13 2022 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

هدى المفتي تنتظر عرض "حظك اليوم" و"شماريخ" في دور السينما

GMT 23:17 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

أم تقتل 5 من أطفالها وتحاول الانتحار في ألمانيا

GMT 16:51 2020 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

استدعاء الفنانة نانسي عجرم للتحقيق وعرضها على طبيب شرعي

GMT 10:43 2019 الثلاثاء ,30 تموز / يوليو

سموحة يعلن انتقال أبو جبل إلى الزمالك

GMT 06:58 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد الغيطي يكشف أهم أخطاء منتدى شرم الشيخ الإعلامية

GMT 15:08 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رحلة شيّقة وممتعة لاكتشاف محمية القالة في الجزائر

GMT 02:31 2017 الخميس ,10 آب / أغسطس

تعرف على أسعار الأخشاب اليوم الخميس 10-8-2017
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt