توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران هُزمت… نقطة

  مصر اليوم -

إيران هُزمت… نقطة

بقلم : نديم قطيش

تكشف تصريحات المسؤولين العسكريّين الإيرانيّين وقادة “الحزب”، لا عمّا تقوله فحسب عن وهم القوّة والاقتدار، بل عمّا تخفيه أيضاً من شعور عميق بالضعف والهزيمة. بينما تتقدّم خطّة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب على أنقاض “طوفان الأقصى”، وتتهيّأ المنطقة لموجة جديدة من الاتّفاقات الإبراهيميّة، وسط توافق دوليّ وإقليميّ غير مسبوق، جدّد قائد فيلق القدس في “الحرس الثوريّ” الإيرانيّ إسماعيل قاآني تنصُّل بلاده من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأوّل، وقال الشيخ نعيم قاسم إنّ “الحزب” لا يردّ على الضربات الإسرائيليّة اليوميّة “لمنعها من التوحّش”.

 

لنتخيّل للحظة أنّ “حماس” انتصرت. هل كان موقف إيران ليكون بهذا الزهد وهذه الدقّة العملياتيّة حول من علم ومن لم يعلم بدقائق الهجوم؟ لنتخيّل للحظة أنّ نعيم قاسم في وضع عسكريّ مختلف، ولم تتحطّم بنية حزبه البشريّة واللوجستيّة، هل كان ليقدّم لنا “الصبر الاستراتيجيّ” كحكمة تستعدي الإشادة والتهنئة أم كان ليصدّع رؤوسنا بـ”جدوى الردع” و”رعب الإسرائيليّ” و”ارتباك العدوّ”!!!

تفتح تصريحات قاآني وقاسم نوافذ تطلّ على واقع التآكل البنيويّ لمشروع استراتيجيّ طموح بنَته إيران على مدى أربعة عقود. هي اعترافات غير مباشرة بفشل نموذج “المقاومة الشاملة”، و”وحدة الساحات”، التي بحسب قآاني يغنّي كلّ من فيها على ليلاه. اعتراف بوهم قوّة الردع التي تمثّلها الميليشيات الملحقة بالحرس الثوريّ، وإفلاس خطاب “الممانعة”، وانكشاف الفجوة الهائلة بين الادّعاء والقدرة، بين الخطاب الدعائيّ والواقع الميدانيّ.

النأي بالنّفس عن الهزيمة

صحيح أنّه سبق لإيران أن تنصّلت أكثر من مرّة من “طوفان الأقصى”، لكنّها ظلّت، في الوقت نفسه، تمانع اتّفاقات وقف إطلاق النار حتّى بلسان المرشد علي خامنئي. وعليه فإنّ إعادة التذكير الآن، ليست أكثر من محاولة للنأي بالنفس عن الهزيمة القاصمة التي تتهيّأ “حماس” لتجرّعها، ولأنّ الهجوم الذي قيل يومها إنّه ردٌّ على مسارات السلام الشامل في الإقليم، وإفشال متعمّد لمخطّطات التطبيع، تُبنى في خواتيمه صفحات سلام إضافيّة لم ينجح “الطوفان” في منعها.
لعل أهمّ الخلاصات من تصريحات قاآني وقاسم وتناقضات خامنئي هو انهيار البنية الأيديولوجيّة لـ”محور المقاومة”

الصورة قاتمة كيفما نُظر إليها. إمّا أنّ إيران أمام قائد ضعيف لا يسيطر على محوره، أو أنّنا أمام دولة تقود محوراً مع كامل الجهوزيّة للتخلّي عن حلفائها حين تشتدّ الأزمة.

كيف يمكن لإيران أن تدّعي قيادة “محور المقاومة” عندما تتبرّأ من أكبر عمليّة عسكريّة نفّذها المحور، وتتوقّع أن تحفظ المصداقيّة الاستراتيجيّة للمشروع الإيرانيّ؟ كيف يمكن للفصائل الأخرى، أو على نحو أدقّ لجماهير هذه الفصائل، حتّى لو لم تصرّح بذلك، أن تطمئنّ لدعم استراتيجيّ من قوّة تتنصّل من مسؤوليّاتها؟

هذه أسئلة لا تمليها المساجلات السياسيّة مع إيران وأدواتها، بل هي تحدّيات وجوديّة تواجه المحور وقيادته العليا، بشأن معنى وجدوى ومتانة هذا التحالف.

انقلاب على الأيديولوجية

أمّا قول نعيم قاسم إنّ “الحزب” لا يردّ على الاعتداءات الإسرائيليّة “لئلّا يسمح لإسرائيل بالتوحّش أكثر”، فيفصح عمّا هو أبعد من التعثّر والفشل، ليصل إلى حدود الانقلاب على المفاهيم الأساسيّة التي قامت عليها أيديولوجية “الحزب”. نحن بإزاء تنظيم بنى شرعيّته على “الردع” و”المواجهة” و”عدم الخوف من التضحية”، وهو يبرّر الآن عجزه عن المواجهة، بالخشية من “التوحّش الإسرائيليّ”، في حين أنّ “الحزب” نفسه يتوحّش على الدولة اللبنانيّة وحكومتها ورئيس الحكومة.

قاآني

لنتذكّر أنّ جوهر ما يُسمّى “النصر الإلهيّ” في حرب 2006، والذي استند إليه “الحزب” كأساس لشرعيّته العسكريّة في الداخل اللبناني، يقوم على معادلة بسيطة: كلّ اعتداء إسرائيليّ سيقابَل بردّ فوريّ ومؤلم، وهذا الردّ هو ما يحقّق “الردع” ويحمي لبنان. كلام قاسم يعلن انهيار هذه المعادلة تماماً، في ضوء الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة والمتصاعدة، والتي تُقابَل بحكمة “الصبر الاستراتيجيّ”.
تفتح تصريحات قاآني وقاسم نوافذ تطلّ على واقع التآكل البنيويّ لمشروع استراتيجيّ طموح بنَته إيران على مدى أربعة عقود

الترجمة الواقعيّة لكلام قاسم هي أنّه اعتراف صريح بضعف “الحزب” العسكريّ، بعد أن خسر آلاف المقاتلين في حرب 2024، وتعرّضت بنيته العسكريّة والصاروخيّة لضربات مدمّرة. هو لم يعد يملك القدرة على خوض مواجهة جديدة من دون المخاطرة بالانهيار التامّ. لكن بدل أن يُوظّف هذا الضعف لاجتراح تسوية في الداخل، يتنازل “الحزب” أمام إسرائيل ويتطاول على شركائه في الوطن بأعلى درجات النزق والعجرفة.

لعل أهمّ الخلاصات من تصريحات قاآني وقاسم وتناقضات خامنئي هو انهيار البنية الأيديولوجيّة لـ”محور المقاومة”. بُني هذا المحور على قاعدة الوضوح الأيديولوجيّ، الذي يتبنّى المواجهة الشاملة مع إسرائيل والغرب، ومقاومة “التسويات”، استعداداً “للنصر النهائيّ”. لكن في لحظة فارقة مثل اللحظة الراهنة، يختلط الضعف بالبراغماتيّة ومواجهة الهزيمة بمنطق التنصّل والانتهازيّة.

تفكّك المحور

عليه، من الصعب بعد الآن الترويج لـ”محور المقاومة” ككيان متماسك، في حين تظهره الوقائع شبكة هشّة من العلاقات التي تختلط فيها المصالح بحاجات التمويل والقناعات الأيديولوجيّة.

لم تطرأ هذه الهشاشة الآن. هي معطى بنيويّ، في صلب تكوين المحور الذي يفتقر إلى التماسك الحقيقيّ، ورؤية استراتيجيّة موحّدة، وآليّات تنسيق فعّالة.

لعقود، نجح “محور المقاومة” في بناء سرديّة قويّة: “النصر الإلهي” في 2006، “الصمود” في سوريا، “طوفان الأقصى” في 2023. لكنّ هذه السرديّة كانت دائماً أكبر من الواقع. الانتصارات كانت محدودة، الخسائر كانت فادحة، والمكاسب الاستراتيجيّة كانت هشّة.

إنّ أفضل ما في اللحظة الراهنة هو انهيار مصداقيّة المحور، ليس فقط أمام الخصوم وحسب، بل أمام الحلفاء والجمهور المؤيّد.

إقرأ أيضاً: تعيشوا وتضوّوا

استثمرت إيران أربعة عقود من عمر الشعب الإيراني وشعوب المنطقة، ووظّفت موارد هائلة لبناء نفوذ إقليميّ عبر “محور المقاومة”. لكنّ النتيجة الماثلة أمامنا اليوم هي هزيمة عسكريّة متعدّدة الجبهات، وعزلة دوليّة متزايدة، وعقوبات اقتصاديّة مدمّرة متجدّدة، وفقدان الشرعيّة الشعبيّة في الشارع العربيّ، ونضوج تحالفات إقليميّة ضدّها حتى ولو غُلّفت بعكس ذلك.

ما يقوله قاآني وقاسم بكلمات كثيرة تقوله الوقائع بعبارة بسيطة. إيران هُزمت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران هُزمت… نقطة إيران هُزمت… نقطة



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt