توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانفتاح على الشّرع يستحقّ المغامرة

  مصر اليوم -

الانفتاح على الشّرع يستحقّ المغامرة

بقلم : نديم قطيش

هل احتضان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الذي كان يوماً على قوائم الإرهاب الأميركية بمكافأة 10 ملايين دولار، هو بمنزلة تشجيع للإرهابيين؟ هل يبعث هذا الانفتاح الخليجي والأميركي عليه رسالة إلى الجهاديّين بأنّ الراديكاليّة، إذا تُوّجت بتسلّم السلطة والحكم، تُكافأ بالشرعيّة؟

فرَض هذا النوع من الأسئلة نفسه حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 13 أيار الجاري، عزمه رفع كلّ العقوبات عن سوريا، مانحاً حكومة الشرع، القائد السابق لهيئة تحرير الشام ذات الجذور المرتبطة بتنظيم القاعدة، فرصة لإعادة بناء بلد دمّرته 14 سنة من الحرب. وتُوّج هذا الانفتاح بلقاء ترامب معه في اليوم التالي.

لا تخصّ هذه الأسئلة فقط البيئات السياسية والثقافية العربية المتوجّسة من مشاريع الإسلام السياسي، والمشتبكة مع معظم تشكيلاته طوال سنوات الربيع العربي. فهي ستُطرح بإلحاح أكبر على إدارة ترامب، في واشنطن، بسبب الارتباط السابق لهيئة تحرير الشام بتنظيم القاعدة، وإدراج اسم الشرع على لوائح المطلوبين في أميركا بمكافأة ماليّة. تنقسم، في هذا الخصوص، آراء النخبة السياسية والإعلامية الأميركية بين من يصف الشرع بـ”الجهادي المقنّع” ومن يراه “متحوّلاً وطنيّاً”، أعاد صياغة تنظيمه، وقيمه السياسية متبنّياً خطاباً حقيقيّاً يعِد بالحكم الشامل.
إعادة إعمار سوريا، التي تحتاج إلى ما بين 250 و400 مليار دولار، هي سوق واعدة للاقتصاد الإقليمي، في لحظة تحوّلات اقتصادية مهمّة في الخليج والمنطقة

الثّقة بخيارات الحلفاء

تصحّ هذه الهواجس لو أنّ حقائق السياسة، في الشرق الأوسط تحديداً، تقارَب بثنائيّة الأبيض والأسود. فهذا التحوّل في الموقف تجاه الشرع ومجموعته التي تحكم سوريا ليس تهاوناً مع الإرهاب، بل استراتيجية بنكهة المغامرة، تهدف إلى تعزيز فرص الاستقرار في المنطقة، وتثبيت تراجع النفوذ الإيراني حيث تراجع، وتوسعة الآفاق الاقتصادية أمام الجميع، مع الاحتفاظ بجرعات صحّية من الحذر من أيّ جنوح إسلامويّ.

عليه، ليس هذا الانفتاح مكافأةً للراديكالية أو قبولاً بماضي الرجل وتنظيمه، بل استثمار في تحوّله البراغماتي ومستقبله، ومحاولة لتعزيز فرص الحوكمة الرشيدة، البديل الموضوعيّ عن التطرّف العقائدي أو الفشل السياسي.

السياق السياسي، إذاً، هو المحرّك الأوّل للخيارات حيال الشرع. فالسعوديّة، بدعم خليجي وعربي أوسع، وبتفاهمات ناشئة مع واشنطن، ترى في سوريا الجديدة فرصة ذهبية لتقليص النفوذ الإيراني أكثر، والتأكّد من أن لا تقوم قائمة لميليشياتها في دولتين مهمّتين في المشرق العربي هما سوريا ولبنان. تدعم أميركا بدورها، هذا التوجّه لأسباب متشابكة، أبرزها تعزيز الشراكة مع الخليج، والاستماع إلى الحلفاء والثقة بخياراتهم في منطقتهم بعدما أشاعت عقودٌ طويلة من السياسات الأميركية المنفردة الدمار والتخريب والفوضى في الشرق الأوسط. وعليه، لم يكن من باب المجاملة قطّ أن يقرّ الرئيس ترامب بأنّ قراره رفع العقوبات عن سوريا هو استجابة لرغبة الأمير محمّد بن سلمان شخصيّاً. ولا كان كذلك قوله، إنّ الزمن الذي تحاضِر فيه واشنطن في أهل المنطقة بشأن خياراتهم في العيش قد ولّى إلى غير رجعة.
كما كلّ الخيارات الصعبة في المنطقة، لا يخلو هذا الانفتاح من المخاطر، التي تُلزم بالحذر، والموازنة بين سياسات الاحتضان والتشجيع وبين استعدادات الردع وجهوزيّة عُدّته

إسلام سياسيّ براغماتيّ

لا يقلّ السياق الاقتصادي أهمّية عمّا سبق. فإعادة إعمار سوريا، التي تحتاج إلى ما بين 250 و400 مليار دولار، هي سوق واعدة للاقتصاد الإقليمي، في لحظة تحوّلات اقتصادية مهمّة في الخليج والمنطقة. ورفع العقوبات عنها، يفتح الباب لاستثمارات في البنية التحتية والطاقة والإسكان، وهو ما يعزّز النفوذ العربي عامّةً، والسعودي تحديداً، في منطقة ضعف فيها هذا النفوذ. بيد أنّ الأهمّ هو أنّ هذه الفرص العملاقة تغري الشرع نفسه بالمزيد من التحوّلات السياسية والعقائدية وتشجّعه على مضاعفة البراغماتية والانفتاح وتعزيز انخراطه في منظومة قيادة إقليمية، اقتصادية وسياسية، على نحو يؤمَل منه أن يكون سبباً لترسيخ الاعتدال.

زد على ما سبق، أنّ المنطقة، تعاني من إرهاق حربي تسبّبت به فوضى الميليشيات، والسياسات الثورية، وخيارات المواجهة المسلّحة، بحيث بات التوق إلى الاستقرار هو الرافعة الأولى للقرار السياسي متى توافرت الحدود الدنيا للاستقرار.

حقيقة الأمر أنّ خطاب الشرع الجديد، الذي يعكس تحوّلاً فكريّاً من أدبيّات الجهاد العالمي والعداء لأنظمة الحكم في المنطقة إلى الحاكميّة الوطنية، يتماشى مع رؤية لإسلام سياسي براغماتي، يخدم الاستقرار ولا يسعى إلى تهديد أنظمة الحكم، على عكس المشروع الانقلابي للإخوان المسلمين.

كما كلّ الخيارات الصعبة في المنطقة، لا يخلو هذا الانفتاح من المخاطر، التي تُلزم بالحذر، والموازنة بين سياسات الاحتضان والتشجيع وبين استعدادات الردع وجهوزيّة عُدّته.

أمّا أميركا فتحتفظ بالقدرة على إعادة فرض العقوبات أو تنفيذ ضربات عسكرية كرادع ضدّ أيّ انقلاب محتمل على الخيارات الجديدة في سوريا.

إنّها، بلا شكّ، مغامرة كبيرة انطلقت من الرياض، لكنّها، بلا شكّ أيضاً، مغامرة تستحقّ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانفتاح على الشّرع يستحقّ المغامرة الانفتاح على الشّرع يستحقّ المغامرة



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt