توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محمد أركون.. والأثر الحيّ

  مصر اليوم -

محمد أركون والأثر الحيّ

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لم يكن مشروع المفكّر الجزائري محمد أركون عادياً، تختلف معه ربما، لكن لا يمكن إنكار جهده المكثّف، لا في الكتب ولا في الأطروحات فحسب، وإنما حتى في تكوين بيئة نقاش حيوية تراها في محاضراته المتلفزة وسط حضورٍ من مختلف الأجيال والاتجاهات.
قبل أيام من الآن، كتب الأستاذ هاشم صالح، وهو الذي ترجم معظم أعمال أركون من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، مقالةً بعنوان: «ماذا تبقى من مشروع محمد أركون؟». والسؤال فعلياً مناسب، إذ طالما تساءل الباحثون: هل يختفي المشروع الفكري والفلسفي بموت صاحبه؟
وقد جاء رأي هاشم صالح كالتالي: «لطالما طُرِح عليّ هذا السؤال: ماذا تبقى من أركون؟ وفي كل مرة كنت أشعر بالضيق والانزعاج الشديد. في كل مرة كنت أشعر بالحاجة لكي أرد على الفور قائلاً: لقد بقي منه كل شيء تقريباً. بقي منه تحقيق المصالحة التاريخية الكبرى بين الإسلام والحداثة. بقي منه تحقيق المصالحة التاريخية الكبرى بين الإسلام والنزعة الإنسانية في زمن الوحشية والهمجية للفصائل المتطرفة التي شوهت سمعة الإسلام عالمياً ونزعت عن الدين الحنيف كلَّ صبغة إنسانية وكل شفقة أو رحمة. بقي منه تحقيق المصالحة التاريخية الكبرى بين الإسلام والأديان الإبراهيمية الأخرى كاليهودية والمسيحية. بقي منه تحقيق المصالحة التاريخية الكبرى بين المذاهب الإسلامية المتصارعة على مدار التاريخ. وكل ذلك حققه على أسس علمية وتاريخية وفلسفية متينة».
وتعليقي هنا هو أن أركون بالفعل لا يزال أثره حاضراً في الحوارات الفكرية ومبحوثاً في الجامعات. الفكرة الأساسية لأركون هي تصويب مسار التأويلات الخاطئة، ولهذا أسس لورشة مفاهيم خاصة به، نجدها في كتبه وبخاصةٍ مؤلَّفه المهم «تاريخية الفكر العربي الإسلامي» الذي أثار الكثير من الجدل في حينه لأنه كتاب اتسم بالموضوعية والشجاعة. ما كان أركون هيّاباً في طرح آرائه بل تعرّض لأعنف حملات التشويه، ومع ذلك لم يستسلم.
لبّ مشروع أركون هو الإنسان، ولذا حين تستمع إليه وهو يردد مقولة أبي حيان التوحيدي: «لقد أشكل الإنسان على الإنسان»، تلاحظ كيف ارتسمت على محيّاه ابتسامةُ إعجاب بهذه المقولة التي تلخّص كل أطروحاته تقريباً، وبالمناسبة فإن أطروحته كانت بعنوان «جيل مسكويه والتوحيدي».
وإذا كانت مهمة الحداثة مناقشة الإنسان بوصفه موضوعاً، فإن منطلقات أركون «ما بعد الحداثية» تضع الإنسان على مشارط النقد والتشريح بوصفه «إشكالية» على النحو الذي بدأتْه فلسفات الاختلاف، والتي درست الجنون والعقاب والسجون ضمن المفاهيم الفلسفية الحديثة.
منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي وأركون يعمل على التأسيس لبناء مشروعه الفكري النقدي الذي قرر أن يفحص من خلاله مشكلةَ الفكر الإسلامي بكل تفريعاته، لهذا كانت أطروحاته تمسّ عصبَ هذا الفكر بغيةَ مساءلته ومناقشته وتشريحه، لا لهدمه، وإنما لإيجاد نقاط تشكّل إمكانات للتجاوز أو القطيعة طبقاً لمخرجات البحث الذي يمارسه.
والخلاصة هي أن مشروع محمد أركون لا يزال حياً وفعّالاً ومستمراً، لا سيما أنه أسس لجيلٍ من الأكاديميين والطلبة وكل هؤلاء المتأثرين به يعتبَرون جزءاً من امتداد مشروع أركون، ولهذا فإنه يظل باقٍ بيننا حتى بعد رحيله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد أركون والأثر الحيّ محمد أركون والأثر الحيّ



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt