توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفتنة بورقة الأقليات

  مصر اليوم -

الفتنة بورقة الأقليات

بقلم:د. آمال موسى

إذا طبَّقنا الفكرة التي تقول إن لكل شيء إيجابيات وسلبيات، ومهما كان هذا الشيء قبيحاً ومفزعاً فإن ما يحدث في أكثر من مكان في العالم العربي والإسلامي من توترات وصراعات، إنما يكشف في جزء مهم منه عن الأمراض التي لم نفلح في معالجتها والتي تنهش كينونة مجتمعاتنا وتنقلها من أزمة إلى أزمة وتدور في حلقة ممتلئة بالحقد الدفين الذي ما إن يجري تحريكه وتوظيفه حتى يتحول إلى دم وعنف موجع.

بل إن هذه الأمراض غير المعالَجة هي التي جعلتنا لا نبارح ضعفنا، ونصبح فريسة سهلة لأعداء الوجود العربي والإسلامي ومنها يتسلل أصحاب خطة: فرِّق تَسُدْ.

في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي انشغلت بلداننا بالتعليم، وكل بلد وضع مسيرة تنمية تناسب خصوصياته وإيقاعه واستعداداته. ويمكن القول إنه تم قطع خطوات لا بأس بها حتى ولو كان هناك تفاوت بين البلدان العربية والإسلامية في التنوير والتحديث.

ولم تكن مسألة الأعراق والأديان من المسائل التي يُخاض فيها، ولم تمثّل مشكلة في مجتمعاتنا حتى تاريخ اندلاع حرب الخليج وغزو العراق، حيث بدأت تدب الفتنة من خلال إشعال مرة الفتيل العِرقي ومرة الفتيل الديني. وفي الحقيقة فإن مشكلة الأقليات العرقية ما فتئت تمثل الفتيل الأكثر ضماناً لتأجيج الفتنة داخل المجتمعات، وجعل الصراع يدب والعنف يستحكم في العلاقات الاجتماعية على نحو يعيدنا ألف سنة إلى الوراء.

وكلما كانت المنطقة أكثر عرضة للصراعات جرى توظيف ورقة الأقليات العرقية، وهو ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط ويعاد إنتاج الخطة ذاتها بحثاً عن الانقسام والانشغال بصراعات دموية قاتلة الجميع فيها خاسر.

السؤال: إذا كان هناك من يشعل الفتنة ويستخدم ورقة الأقليات العرقية، وهذا صحيح جداً، فهل المشكلة -بلفت النظر عن توظيفها- مصطنَعة أم هي كانت كامنة تحت الرماد؟

نعم من المهم طرح هذا السؤال حتى لا ننشغل بمن يستخدم ورقة الأقليات العرقية لإغراق مجتمعاتنا في الفتنة، وننسى المشكل في حد ذاته ومدى وجوده.

بالمنطق فإنه لا يمكن توظيف شيء غير موجود. إذن المشكلة قائمة بذاتها، سواء كانت تحت الرماد أو فوقه جمراً يشتعل.

السؤال الثاني: ما دامت هذه المشكلة موجودة في جينات الأجساد الاجتماعية فكيف نفسر عدم استشعارها والانتباه إليها؟

نعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال الثاني تحديداً هي سياسية لحماً ودماً. فالأقليات تميل إلى الانزواء والانغلاق خوفاً من الذوبان، وهدفها الأوحد التعايش مع العرق المهيمن، أكان عدداً أم سلطة، من دون مشكلات تُذكر. ذلك أن الأقلية تستبطن الشعور بأنها الأضعف بوصفها أقلية، خصوصاً عندما تكون خارج السلطة، وإذا كانت داخلها فإن كل المعادلة تختلف وتصبح الأقلية هي المهيمنة. بمعنى آخر فإن الموقع السياسي للأقلية هو الحاسم في تحققها الاجتماعي والسياسي أو الركون إلى تحت الرماد.

التجارب التي عرفناها في بلداننا سواء التي كانت فيها الأقليات العرقية مهمشة، اجتماعياً وسياسياً، أو الأخرى التي كانت مهيمنة سياسياً، فإنها ظلت مشحونة بمشكلتها التي لم تُحلّ بالشكل الذي يجب. ورأينا كيف أن الأقلية التي تهيمن سياسياً تظل رهينة استمرار وضعها سياسياً، ومتى تغير الوضع تفقد هيمنتها وتدفع ثمنها في صراعات انتقامية.

إذن؛ لا طوق نجاة في الهيمنة السياسية المتغيرة بطبيعتها، ولا في التهميش الذي يربّي الحقد الاجتماعي، ويجعل الأقلية تلك اليد التي تُستغل في الصراعات الدولية لإضعاف الداخل وخلق الانقسامات وفتح جبهة لتشتيت القوة والهدف.

السؤال الثالث والأخير: هل من مجال لقطع الطريق أمام مستخدمي ورقة الأقليات العرقية ثغرةً اجتماعيةً لزرع الفتنة؟

في الحقيقة هذا الجزء من مقالنا هو أكثر ما يعنينا، لأنه يطرح المقاربة التي تُنجي مجتمعاتنا من شر ورقة الأقليات العرقية.

أولاً، من المهم أن نثمّن التنوع العِرقي بوصفه مصدر ثراء ثقافي وحضاري. ثانياً، الحل الوحيد لكل انحرافات التنوع العرقي والديني هو تركيز المجتمعات والنخب السياسية الحاكمة على فكر المواطنة وقيم المواطنة. فكل شخص هو مواطن أولاً وأخيراً. ذلك أن المواطنة بما تعنيه من عدم تمييز على أساس الجنس أو الدين أو العرق إنما هي إعلاء للانتماء للوطن وتكريس لصفة المواطن وجعلها الرابط الاجتماعي الأوحد للتعايش، ومن ثم فإن المساواة في الحظوظ والفرص تكون مضمونة لأن المواطنة هي المساواة، والأفضل هو الأكثر كفاءة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفتنة بورقة الأقليات الفتنة بورقة الأقليات



GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt