توقيت القاهرة المحلي 08:24:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خيارات بريطانيا مع الصين

  مصر اليوم -

خيارات بريطانيا مع الصين

بقلم: عادل درويش

 

بريطانيا تتساءل عما إذا أدى النزاع الصيني- الأميركي حول التعريفات الجمركية إلى حرب باردة، قد تجر البلاد إلى استقطاب يشبه الحرب الباردة في القرن العشرين. وهناك قلق من إغراق الصين الأسواق البريطانية بمنتجاتها تعويضاً عن السوق الأميركية. فالشركات الصينية (بعضها يستثمر في منشآت حيوية بريطانية) ليست حرة بالمعنى الرأسمالي المفهوم في المجتمعات الغربية الديمقراطية، وإنما خاضعة لتأثير الحزب الشيوعي الصيني، وقد تضر سياستها بالأمن الاقتصادي.

الجدل يدور في وسائل الإعلام بعد أزمة مصنع «الصلب البريطاني» التي دفعت بحكومة كير ستارمر العمالية لاستدعاء مجلس العموم السبت الماضي، من عطلة عيد الفصح، في جلسة طارئة، لمنح صلاحيات إضافية لوزير التجارة والأعمال، لمعالجة الأزمة التي تطورت إلى معركة خطابة بين ساسة بريطانيا والسفارة الصينية في لندن.

فالمصنع المملوك لشركة «جينغي» الصينية (راجع «الشرق الأوسط» الأحد الماضي) والذي فيه آخر الأفران التقليدية لإنتاج الصلب في البلاد، كان على وشك الإغلاق بسبب الخسائر المادية (نحو ربع مليون جنيه يومياً) وعندئذ لا يبقى في بريطانيا أفران صهر لإنتاج الصلب، ما اضطر الإدارة الحكومية الجديدة لدفع أثمان استيراد طارئ لكميات الحديد الخام وفحم الكوك من أستراليا وأميركا واليابان. أفران الصهر (Blast Furnce) تعود للقرن الـ19، ويُخلط فيها الحديد الخام بفحم الكوك، لتصل حرارة الاشتعال إلى نحو 1500 درجة مئوية، وعدم تزويد الفرن طوال الوقت بالكوك والحديد الخام يسبب برودة تجمد محتواه، فتنتهي صلاحية تشغيله للأبد.

الصلب سلعة استراتيجية لازمة للبنية التحتية، كالجسور وقضبان السكك الحديدية، والأهم لصناعات تخدم القوات المسلحة، مثلما تكرر في الجلسة البرلمانية الطارئة.

جون رينولدز، الوزير المسؤول، في مقابلات تلفزيونية الأحد الماضي، اتهم «جينغي» باتباع سياسة كانت ستؤدي إلى الإجهاز على صناعة الصلب؛ حيث أوقفت استيراد الفحم والحديد الخام، وكانت على وشك تسريح عدد كبير من العمال، والاعتماد في التجارة على الصلب المستورد من الصين.

الأزمة وتصريحات رينولدز أثارت الجدل في الإعلام حول دور الشركات الصينية في الاقتصاد البريطاني، بخاصة امتلاكها شركات في صناعات كالطاقة والإلكترونيات والنقل، قد تضر بالأمن القومي في حالة تحول الصين إلى خصم في حرب باردة جديدة.

ورغم تراجع رينولدز (بتعليمات مباشرة من مكتب رئيس الوزراء وفق مصادرنا) قائلاً إن انتقاد «جينغي» لا يشمل كل الشركات الصينية، فإن ساسة آخرين أكثرهم من المعارضة، ومنهم زعيم المحافظين السابق إيان دنكان سميث، وحزبَي: «الإصلاح»، و«الديمقراطيين الأحرار» حذروا من توغل الشركات الصينية، ويطالب الآخرون بتأميم «الصلب البريطاني».

السفارة الصينية في رد غاضب، اتهمت الساسة البريطانيين بترويج اتهامات كاذبة حول الصين، وأضافت أن الصين استثمرت ما يزيد على 115 مليار جنيه، وخلقت 60 ألف فرصة عمل في بريطانيا. (8 مليارات جنيه و45 ألف وظيفة في رد وزارة التجارة البريطانية)، وللمقارنة تستثمر الصين 154 مليار جنيه في أميركا، و83 ملياراً في أستراليا.

حجم التجارة الصينية- البريطانية (سلع وخدمات) كان في العام الماضي 89 مليار جنيه، بانخفاض 13 في المائة عن 2023، منها 74 ملياراً و86 مليوناً واردات من الصين، والبقية صادرات بريطانية (أرقام «تريد آند إيكونوميكس»)، بينما تتوقع مؤسسة «بورت تكنولوجي إنترناشيونال» انخفاضها بـ5 في المائة في 2026، بوصفها ظاهرة عالمية، وليس فقط خاصة بالتجارة الصينية البريطانية.

كثير من الشركات المستقلة الأجنبية تمتلك مرافق حيوية بريطانية، فمؤسسة طباعة أوراق البنكنوت (العملة الرسمية) -مثلاً- تمتلكها شركة أميركية.

في التسعينات، كانت شركات التأمين والمعاشات والبنوك البريطانية تمتلك أكثر من نصف مؤسسات وشركات البلاد. اليوم تملك أقل من 4 في المائة فقط، بينما 96 في المائة من استثماراتها منتشرة حول العالم، في حين يمتلك 57.7 في المائة من أسهم الشركات البريطانية مستثمرون يعيشون وراء البحار.

نسبة شراء الاستثمارات الأجنبية للشركات البريطانية ارتفعت 24 في المائة العام الماضي، لتصل قيمتها إلى 91 مليار جنيه، بينما انخفضت استثمارات شركات بريطانيا في الخارج بنسبة 10 في المائة. هناك أكثر من تريليونين من الاستثمارات الأجنبية في بريطانيا (بما فيها مرافق حيوية، كمطارات وموانٍ)، ونصيب الصين منها أقل من 5 مليارات.

ولذلك تراجعت حكومة ستارمر عن انتقاد الصين علناً على الطريقة الترمبية، ثم إن مطالب الساسة غير عملية، فالتأميم يخيف المستثمر الأجنبي، وكذلك أرقام التجارة لا تترك خيارات كثيرة لإيجاد منتجات بديلة عن واردات الصين الرخيصة الثمن للمستهلك البريطاني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيارات بريطانيا مع الصين خيارات بريطانيا مع الصين



GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt