توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هندسة عين شمس... العظيمة

  مصر اليوم -

هندسة عين شمس العظيمة

بقلم: فاطمة ناعوت

كأنه بالأمس فقط. كأننى ما غادرتُ مدرجاتِ هذه الكلية الجميلة إلا قبل برهة. الأشجارُ كما هى، لكنها ازدادتْ كثافةً وإيراقًا وإظلالاً، الأبنيةُ زادها الزمنُ مهابةً وعراقةً. الوجوه تغيّرتِ، لكن «الاسمَ» ظلَّ عظيمًا شاهقًا مثلما كان، وسيظل بإذن الله: «هندسة عين شمس» التى أخرجت عِظامًا من رموز مصر والعالم، منهم علماءُ ووزراءُ ورجالُ أعمال منهم، مع حفظ الألقاب؛ المهندسون: هانى عازر، أيمن عاشور، أحمد زكى بدر، صلاح دياب، فاروق الجوهرى، طارق النبراوى، محمد إبراهيم سليمان، صلاح حجاب، على زين العابدين، محمد بهاء الدين، ماجد جورج، شريف إسماعيل، محمود أبو النصر، حاتم عبد اللطيف، إبراهيم الدميرى، حسن يونس، محمد الشيمى، هشام عرفات، محمد فتحى البرادعى، وغيرهم الكثير.

علاقتى بها تجاوزت السنواتِ الخمسَ التى قضيتُها فى رحابها أنهلُ من علومها على أيادى أساتذتها الأجلاء. بل بدأت منذ الطفولة؛ حين كان جدى المعمارى «صبرى أبو حسين» يحكى لى ذكرياته بها، شارحًا المساقطَ الأفقية لمشاريعه التى أنجزها فى مصر و«جِدّة» السعودية، وأن مشروع تخرجه كان «رفع القُبّة» التى تعلو الواجهة الأمامية العريقة، أى رسم مساقطها على الورق وتبيان محاور التماثل والتعامد. ثم أهدانى طقم التحبير الخاص به Stango تحفيزًا لى. وكنتُ فى طريقى كل يوم لمدرستى الابتدائية CGC أُطلُّ من نافذة الباص وأشيرُ إليها بزهو قائلة لزملائى: «دى الكلية اللى هادخلها لما أكبر!» وكثيرًا ما ادخرتُ من مصروفى الصغير لأشترى من مكتبة «هاشم» أو «سمير وعلى» مساطرَ وشابلوناتٍ ومناقلَ وبراجلَ، لا أدرى كيف أستعملُها! وكأننى أودُّ استكمال مجموعتى الدراسية لحين دخول الكلية بعد سنوات طوال. لم أستخدم طقم تحبير جَدى، ولا شابلوناتى ومساطري؛ لأننى حين وصلتُ للكلية كانت قد استُجِدت أدواتٌ وعفى الزمنُ عن أدواتٍ، حتى صار اليوم الكمبيوتر وبرامجه هو الأداةُ ولا شيء آخر.

بدعوة كريمة من الدكتور »عمرو شعث« عميد كلية الهندسة جامعة عين شمس، حضرتُ قبل أيام حفل تخريج دفعة ٢٠٢٥. وفى نهاية يونيو الماضى كنتُ قد حضرتُ المؤتمر العلمى السنوى لهندسة عين شمس بحضور الدكتور «أيمن عاشور» وزير البحث العلمى لتكريم الأساتذة الرواد من الدفعات القديمة تقديرًا لجهودهم وعطائهم الأكاديمى والمهنى. كان الحفلُ فى «مدرج فلسطين العريق» الذى التقيتُ فيه لأول مرة بالشاعر الكبير «عبد الرحمن الأبنودى» حين دعوناه، نحن الطلاب، لنستمع منه إلى قصيدة «حراجى القط»، ويومها أنصتَ إلى قصائد الموهوبين من الطلاب، وكنتُ من بينهم، وقرأتُ أمامه وأنا أتعثّر فى خجلى قصيدة «طوباوية»، وصافحنى بحرارة متنبئًا لى بمستقبل واعد فى الشعر، فبكيتُ فرحًا.

أما حفل التخرج فكان فى ملعب الكلية. وكانت شمس الغروب ترسم خيوطها الذهبية على الأبنية القديمة فازدادت سحرًا فوق سحر. الخريجون يعتمرون قبعات التخرج السوداء، وعلى وجوههم ابتساماتٌ تجمع بين فرحة التخرج وقلق غدٍ يرسم المستقبل. والأساتذة يرتدون أرواب الأكاديميا السوداء بالأوشحة القرمزية والزرقاء تبعًا للرتبة الأكاديمية. وأما أسر الخريجين فلم ينجحوا فى إخفاء ملامح الفرح والفخر بأبنائهم الذين كللوا سهر لياليهم بتيجان النجاح والتفوق. وعلى الشاشة العملاقة، تواترت صورُ الخريجين وهم أطفال إلى جوار صورهم فى الجامعة، وكأننا نتلصص على زمان يمرُّ بعصاه السحرية على الطفولة النابهة ليجعلهم مع الأيام مهندسين سُرَّ من رآهم. وعلى المنصّة تعاقبتِ الكلماتُ المشرقة مثل مشاعل تنوير من عميد الكلية ورئيس الجامعة ونقيب المهندسين والوزراء الذين جاءوا يردون الفضلَ للكلية التى درسوا على مقاعدها. وجهوا كلماتهم للخريجين الجدد بأن مهنة الهندسة ليست صناعة الأبنية، بل صناعة الجمال وبنيان الغد بالضمير وشرف المهنة والنزاهة والعبقرية. فالهندسة ليست خرائطَ ولوحاتٍ، بل «عقدٌ أخلاقى» مع الناس والوطن والطبيعة. وألقى المهندس «طارق النبراوى»، نقيب المهندسين، قَسَم التخرج، ورددنا وراءه نحن قدامى الخريجين، مثلما ردده الخريجون الجدد. وطارتِ القبعاتُ الأكاديمية السوداءُ فى السماء، كطيورٍ محرَّرَة، تتلألأ عُذَبُها فى ضوء الغروب، قبل أن تهبط بخفّة على الأكتاف. لحظةٌ خاطفة، تختصر سنواتٍ من السهر والكفاح.

حفلات التخرج تُعيدُ إلينا لحظات نوستالجيا غالية محفورة على جُدُر ذاكرتنا وقلوبنا. نتذكر دموعَ الفرح فى مآقى أمهاتنا وهنَّ يبروزن الشهادات، ونتذكر كاب التخرج المربع ولحظة نقل عُذبته Tassel من اليمين إلى اليسار، ثم الإطاحة به فى الهواء، لكى يتلقاه طلابٌ جدد.

خرجتُ بالأمس من حفل التخرّج ٢٠٢٥، كأنه يوم تخرجى من هندسة عين شمس قبل عقود، ممتلئةً بفخر الانتماء إلى صرحٍ عريق علّمنى أن العمارة ليست حجارةً وخرساناتٍ بل ذاكرةٌ وهُوية وشرف. وتظلُّ هندسة عين شمس منارةً تصوغ النورَ جدرانًا ومصانعَ وماكيناتٍ، وتبنى لمصر غدًا يليقُ بمجدها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هندسة عين شمس العظيمة هندسة عين شمس العظيمة



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt