توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كرامةُ المعلِّم... ـة

  مصر اليوم -

كرامةُ المعلِّم ـة

بقلم: فاطمة ناعوت

فى «كوريا الجنوبية»، يُنظَر إلى المعلّم بوصفه حجر الأساس فى بناء الأمة، ويُعامل باحترام مجتمعى وإجلال، لأن التعليم هناك ليس خدمة، بل مشروع وطنى. وفى «اليابان»، يُدرَّب الأطفالُ على الانحناء لمعلميهم قبل تعلّم الأبجدية. فى جميع الدول التى وثبت علميًّا واقتصاديًّا، يُعامَل المعلّمُ بإجلال كونه «صانعَ مستقبل، وصانع حضارة». المعلّمُ هو أوّلُ ضابطٍ فى جيش القيم. وأوّلُ قاضٍ فى محكمة الضمير. وأوّلُ فنانٍ يرسمُ على لوحِ الطفولةِ ملامحَ الإنسان.

هكذا تربينا منذ طفولتنا على توقير المعلم. وكنتُ، وأنا طالبة فى «هندسة عين شمس» ألتقى فى الطريق مصادفةً بإحدى معلماتى فى مدرستى الابتدائية القريبة من الحرم الجامعى. فأسرعُ بخطاى وأنحنى لها، وأقبّل جبينها، ولولا الحياء لقبّلتُ يدَها. وأحيانًا يهاتفُنى معلّمُ الرياضيات فى مرحلتى الثانوية ليناقشنى فى أمرٍ ما، فإذا بادرنى بكلمة: «أستاذة فاطمة»، أقاطعه فورًا: «لا من فضلك! غير مسموح بتبادل الأدوار. لا أستاذَ هنا سواك!».

وحدَه من علّمك الحرفَ والكلمةَ والمعادلةَ والحكمة والقيم والأخلاق، يمتلكُ مفتاح قلبك ويحقُّ له الدخولُ دون استئذان، فهو أحدُ الذين شكّلوا وعيَك لكى تتعرّفَ على العالم وتصيرَ مَن أنت عليه الآن. جميعُ مَن علّمونى، لهم علىّ دَينٌ لا ينقضى أجلُه، ولا يُستوفَى. ولذا، فإنّ أىّ اعتداءٍ على «معلّمٍ»، وإن كنتُ لا أعرفه، هو طعنةٌ نجلاء فى قلبى، وفى قلبِ الوطن. فالمعلم هو شرفُ الدولة، وكرامتُه مسألةُ أمن قومى. لأن العلمَ هو المِعولُ القادرُ على هدم الظلام والرجعية والخرافة، وهو صانعُ الرفاه. انظر حولك لترى تجلياتِ العلم وثمارَه فى كل ما تقع عليه عيناك. لولا العلم ما قرأتَ كلماتى فى جريدة صنع طابعتَها وأوراقَها العلمُ، بنظارةٍ صنع زجاجَها وقياساتِها العلمُ، وأنت جالسٌ على مقعدٍ صنعه العلم، فى بنايةٍ صنعها العلمُ، ولا تنتهى الدائرة.

هذا المقال ليس «تحيةً» للمعلّم. فلم يحن بعدُ «اليومُ العالمى للمعلم» الذى يحلُّ يوم ٥ أكتوبر من كل عام. لكنه «اعتذارٌ» عن واقعة موجعة تخزُ القلبَ بشوكة الألم على وطن صنع أول حضارة فى التاريخ تأسست على العلم وتوقير المعلم. فى حضارتنا المصرية القديمة، احتلَّ المعلمُ مرتبة عالية فى هرم السلطة الفكرية والسياسية. لم يكن مجرد ناقل للمعرفة، بل حارسٌ لعقد الحضارة، حاملٌ مسؤولية صوغ القوانين، وحفظ الثقافة، وغرس القيم. لهذا لا يُقبَل أن يُهان معلمٌ فى دولة أجلّت العلمَ مثل مصر. فما بالك حين تُهانُ «معلّمةٌ»؟! هنا تُضافُ إلى جريمة إهانة المعلم، جريمةُ إهانة المرأة، فى دولة جعلت من المرأة ملكةً وربّة للفضيلة والعدالة والضمير، وجعلت لقانون الأخلاق الأول فى التاريخ اسم امرأة: «ماعت»، ترى صورتها محفورة على جدران محاكم العالم: سيدة جميلة معصوبة العينين تحمل ميزان العدالة والضمير.

الواقعةُ مخيفة: التعدى على معلمة أثناء أداء دورها التربوى!! وممن؟ من وليّات الأمور! ربما ليست الواقعة الأولى من نوعها بكل أسف ومرارة، لكنها الواقعة الموثقة بفيديو صوت وصورة منتشر على صفحات سوشيال ميديا. المعلمة المحترمة رفضت السماح بالغش فى لجنتها، فانقضت عليها أمهاتُ الطلاب وركضن خلفها يردن الفتك بها! ولولا تدخل الأمن لافترسنها! لن أسأل كيف سُمح للأمهات بدخول المدرسة أثناء الامتحان ولا كيف صعدن إلى فصول اللجان، فتلك أسئلة أمنية يباشرها التحقيق. لكن السؤال هو: كيف لأمهات فضليات يرجون لأبنائهن مستقبلا مشرقًا، وهنّ لا يحترمن مَن يقومون على العملية التعليمية التى تصقل عقول أبنائهن؟! شىء لا يُصدق! لكن الأكثر ألمًا هو أن تلك الأمهات «الغافلات»، لكيلا أستخدمُ لفظًا غيرَ مهذب، لم يكتفين بالمطاردة والملاحقة ومحاولة الاعتداء الجسدى على المعلمة، بل تعدين عليها باللفظ الجارح والسباب المهين، وأطلقن فى وجهها لعنات طائفية تزدرى دينها؛ كونها مسيحية!.

المشهد ينتمى إلى مسرح العبث والكوميديا السوداء المخيفة. تعالوا نحلّله. المعلمة رفضت السماح بالغش. والغشُّ لعنةٌ تصيبُ مستقبل المجتمع فى مقتل. فالطبيب الفاشل والمهندس الفاشل هما نتاجُ الغشّ. وفى أدبياتنا الإسلامية: «مَن غشّنا ليس منّا». وبناء عليه فهذه المعلمة يجب أن تُكرّم وتُمجد لأنها منعت آفة أخلاقية ومجتمعية وتربوية ودينية. لكنها لم تُكرم بل لوحقت يُرادُ النيلُ منها جسديًّا! وممن؟ من أمهات المفترض لهن أن يحرصن على تعليم أبنائهن وتهذيبهم!.

جهات التحقيق تباشر الواقعة المشينة، وقيل إن المعلمة الفاضلة تنازلت عن الشكوى ربما لئلا تثير الفتن أو تجنبًّا لتداعيات سخيفة تهدد أمنها أو لأى سبب كان. لكننا نحن المجتمع المصرى، لن نتنازل عن حقها وحق كل معلم شريف يبرّ بقسم الحفاظ على القيم، ونطالب بحق الكرامة العامة التى تُخدشُ لو مسَّ المعلمَ ما ينالُ من كرامته. ومن جانبى أقبّلُ جبينَ تلك المعلمة الجميلة، وأعتذرُ لها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كرامةُ المعلِّم ـة كرامةُ المعلِّم ـة



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt