توقيت القاهرة المحلي 11:36:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -
عطل تقني يشل عمليات السفر في مطار بريطاني رئيسي والجهات المسؤولة توضح أن الخلل محلي إيرباص توضح أن تسليمات نوفمبر سجلت تراجعا بسبب خلل صناعي وأزمة جودة في خطوط الإنتاج المحكمة الجنائية الدولية تعتبر عقد جلسات الاستماع لنتنياهو أو بوتين في غيابهم ممكناً الرئاسة الفلسطينية تحذر من خطورة أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي إصابة عدد من الفلسطينيين جراء قصف مدفعية الاحتلال الإسرائيلي على منطقة بيت لاهيا مقتل 79 مدنيا من بينهم 43 طفلا في هجوم بطائرة مسيرة استهدف كالوقي في جنوب كردفان قوات الدعم السريع تقول إن الجيش السوداني استهدف معبر أدري الحدودي مع تشاد بطائرات مسيرة تركية البنتاغون يعلن موافقة الخارجية الأمريكية على صفقة بيع مركبات تكتيكية متوسطة ومعدات إلى لبنان بتكلفة تتجاوز تسعين مليون دولار إنفانتينو يسلم ترمب جائزة فيفا للسلام قبل قرعة المونديال الاتحاد الأوروبي يفرض غرامة 120 مليون يورو على «إكس» لمخالفته قانون الخدمات الرقمية
أخبار عاجلة

«نجيب محفوظ».. سيدُ المفارقات

  مصر اليوم -

«نجيب محفوظ» سيدُ المفارقات

بقلم: فاطمة ناعوت

سألتُه ذاتَ لقاءٍ، فى فيلا الدكتور «يحيى الرخاوى» بالمقطم:

- «أستاذ نجيب، هل تذكر اسم طاعنك؟»

ابتسم بحنوّ، كأنه يتحدّث عن ولدٍ عاق، وقال:

- «لا. بس سامحته».

هكذا يردُّ الكبارُ على طعنات الصغار: بالعفو. عفوٌ لا يصدرُ عن خضوع، بل عن قامةٍ شاهقة تعلو وتسمو؛ فلا ترى نصالَ الخناجر حين تمزّقُ الأوردة، إلا حماقة عابرة من يد مرتعشة. ابتسم «محفوظ» فى وجه الموت، وعفا عن قاتليه، بينما العاديون لا يستطيعون أن يغفروا لمن تأخر عن موعد.

وأنا كذلك لا أعرف اسم الأحمق الذى غرز خنجره فى عنق «نجيب محفوظ»، لكننى أعرف أن الخنجر ارتدّ إلى صدره وصدر مُحرّضه. ونجا صدر «محفوظ» النحيل الذى اتسع، على نُحوله، ليضمَّ مصرَ بكاملها. الطعناتُ لا تقتل الكبار، بل تمنحهم جوازَ سفر أبديًّا إلى ذاكرة العالم. أما القتلة، فيُلقى بهم إلى نفايات التاريخ، بلا أسماء.

فالتاريخ قاسٍ فى عدالته. لا يُبقى فى سِجلِّه إلا الأسماءَ التى أضافت إلى إنسانية البشر شيئًا من النور. أما القتلة والمهووسون والجهلاءُ والحمقى، فيذروهم الزمانُ كما يذرو الريحُ غبارَ الطريق، فينمحى أثرُهم كما تُمحى آثارُ الأقدام الواهنة. لهذا، ظلّ «محفوظ» حاضرًا فى الوجدان الجمعى، فيما الذين كفّروه أو رفعوا السكاكين فى وجهه، غابوا فى قاع النسيان. التاريخُ لا يذكر أسماء شانقى العظماء، بل يتركهم للعدم. من يذكر اسم قاتل «المتنبى»؟، أو شانق «عمر المختار»؟، أو صالب «الحلاج»؟، أو ساحل «هيباتيا»؟، لا أحد. لكن أسماء هؤلاء باقية كالكواكب فى السماء. و«نجيب محفوظ» أحد أولئك الذين لا يخبو ضوءهم.

حاولوا إسكاتَه بخنجر، فإذا بصوته يعلو. حاولوا تشويهه بتكفير، فإذا بصورته تزداد نُصوعًا وإشراقًا. لم يدركوا أن القلم لا يُطعن. أصابعه التى تجمدت على شكل قلم كانت تقول: سأكتب حتى بعدما أرحل. كلُّ عام يمرّ على رحيله، نزداد يقينًا بأن الموتَ لا يعرفُ للكبار طريقًا. «محفوظ» ليس ذكرى، بل حاضرٌ يكتبنا، فى الأزهر والجمالية، فى مقاهى وسط البلد، وفى مناهج الجامعات حول العالم.

بعد الطعنة الغادرة صار يكتب بخط مرتعش. أذكر أننى جريتُ يومًا من فندق «شبرد» إلى مكتبة «سميراميس» لأشترى نسخة من «الطريق»، أقرب رواياته إلى قلبى، كى يوقّعها. استغرق خمس دقائق ليكتب اسمَه، وخمسًا أخرى ليكتب التاريخ. عشر دقائق كاملة كى يترك لى أثرًا لا يُقدَّر بثمن. أشفقتُ على يده فحاولتُ جذب الكتاب قبل التاريخ، فعاتبنى قائلا: «إياك أن توقّعى دون تاريخ». علمنى أن التاريخ ختمُ البقاء. الحبر يجف، والتاريخ يحفظه من الذوبان.

«نجيب محفوظ» هو المفارقة كلها: جسد ضعيف يتهاوى، وعقل يسبق الزمن. شيخ فى التسعين، يضحك بخفة صبىّ، ويكتب بجدية حكيم. رجلٌ خرج من حارة ضيّقة، ليضع مصرَ على خارطة الأدب العالمى. صوتٌ راموا إسكاته، فصار أعلى من كل ضجيج. رواياته مرايا عدّة فى آن واحد: مرآة لوجه مصر الحضارى، ومرآة لخيباتها، ومرآة لأحلامها المؤجلة. كتب عن الحرافيش الذين ما زالوا يحومون فى حاراتنا، وعن «سى السيد» الذى يتكرّر بأسماء مختلفة فى بيوتاتنا، وعن «زبيدة» التى لا تزال تقيم فى أزقة الغواية، وعن «أمينة» التى استكانت فى بيتها من أجل أبنائها.

رماه المتزمتون بالرذيلة لأنه رسم «زبيدة»، ونسيوا أن «السيد أحمد عبد الجواد» كان نموذجًا للفسق المقنَّع الذى ينام فى بيوتهم كل ليلة. لم يشغلهم اللصوصُ ولا الخونة ولا الكذابون، وشغلتهم سيقان النساء. رحل مكفّروه إلى العدم. وتاه طاعنوه فى النسيان. وبقى.

«نجيب محفوظ» لم يكن كاتبًا وحسب؛ كان تجربة وجودية كاملة. رجلٌ كتب الأزقّة والحوارى، لكنه فى الحقيقة كان يكتب أسئلة الوجود الكبرى: الله، الحرية، المصير، والعبث. كتب عن البسطاء والفتوات، عن السكارى والمهمشين، عن العلاقة الملتبسة بين السلطة والإنسان. حوّل الحارة إلى مسرح كونى، وجعل شخوصه، الذين يشبهون جيراننا، رموزًا تتنازعها الفلسفة والسياسة والتاريخ. وحين حاولوا إسكاته بخنجر، لم يدركوا أن القلم لا يُطعن. القلم يظل يكتب حتى وهو غائب عن اليد. أصابعه التى تجمّدت على شكل قلم، بعد الطعنة، ظلّت تمسك بالفراغ كأنه ورقة لا تنتهى.

فى مثل هذى الأيام، قبل أعوام طوال، أغمض «نجيب محفوظ» عينيه على الدنيا، وفتحهما على الخلود. فالعظماء لا يموتون. إنّهم يتوزّعون بيننا كأغانٍ شعبية تظلّ حاضرة تتردد فى أعماقنا ومسامعنا دون خفوت. ستظلّ بيننا يا «عم نجيب» ما دامت القاهرة تنبض، وما دام الحلم العربى يبحث عن مرفأ. مازلتَ هنا: فى الأزقة، فى المقاهى، فى وجوه البسطاء، فى دفاترنا المدرسية، وفى قلوبنا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«نجيب محفوظ» سيدُ المفارقات «نجيب محفوظ» سيدُ المفارقات



GMT 10:09 2025 السبت ,06 كانون الأول / ديسمبر

أخلاقيات ومبادئ أم قُصر ديل؟

GMT 10:00 2025 السبت ,06 كانون الأول / ديسمبر

زيارة لواحة سيوة!

GMT 09:39 2025 السبت ,06 كانون الأول / ديسمبر

ذئب التربية والتعليم

GMT 08:47 2025 السبت ,06 كانون الأول / ديسمبر

عن التفكير

GMT 08:44 2025 السبت ,06 كانون الأول / ديسمبر

صحفى كان بائعًا للصحف

GMT 08:38 2025 السبت ,06 كانون الأول / ديسمبر

أذواق الناس

GMT 00:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

شهادة طبيب حاول إنقاذ السباح

GMT 00:00 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

نهاية أبوشباب تليق به

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 18:51 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تقرير يكشف أن"غروك" يشارك معلومات حساسة لأشخاص عاديين
  مصر اليوم - تقرير يكشف أنغروك يشارك معلومات حساسة لأشخاص عاديين

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 02 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 23:59 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

هرمون الإستروجين والبروجسترون يؤثران على اللوزة الدماغية

GMT 10:54 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 22:58 2020 الخميس ,16 تموز / يوليو

إطلالة جذابة لـ هند صبري عبر إنستجرام

GMT 00:37 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ديكورات خارجية لمتعة الصيف حول المسابح

GMT 22:24 2022 الإثنين ,25 تموز / يوليو

باريس سان جيرمان يهزم غامبا أوساكا بسداسية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt