توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صخرة الروشة... تهاوي التهاوي

  مصر اليوم -

صخرة الروشة تهاوي التهاوي

بقلم:مصطفى فحص

التهاوي عن صخرة الروشة لم يكن سقوطاً قسرياً، فثمّة من فقد توازنه فانزلق لا إرادياً نتيجة صدمة، أو هزيمة، أو انكسار، أو سوء تقدير، أو انفعال في غير مكانه. وللمكان هنا رمزيته المركّبة؛ عامةً وخاصّةً... العامةُ ارتبطت بشكل جيولوجي يعدّ ظاهرة طبيعية لافتة للنظر بجمالها، أمّا الخاصة ففي طبيعة بعض الناس الذين رأوا فيها مكاناً للانتحار.

أما حين يأخذ الانتحار بُعداً سياسياً؛ فردياً أو جماعياً، فإنه يصبح إرادياً عن سابق إصرار وترصّد، وبكامل الوعي... أي إنّ ثمة من قرّر نهايته بنفسه نتيجة رهانات خاطئة، أو غرور، أو يأس. فهو يجمع هنا بين التهاوي والانتحار معاً، ويتصرّف كأنه غير قادر على تجنّب الهاوية، فيسير باتجاهها كأنه مُصرّ على تهاويه.

بعد سنة على التهاوي الأول نتيجة حرب المقتلة وذكراها الأليمة، فإن حالة الإنكار التي يعاني منها مَن تعرّض للهزيمة تدفع به إلى تهاوٍ أعمق، كأنه مُصرّ على السير في الانحدار المتسلسل من دون مراجعة أو محاسبة أو محاولة التوقف. وهذا لم يعد مرتبطاً بحالة السقوط الأول أو التهاوي الأول عن الصخرة أو أمامها. وإنكار السقوط الأول وانهياراته المتعدّدة جعل هذا الفاعل السياسي لا يعي أنه ذاهب بملء إرادته، ويأخذ معه جماعته وطائفته ووطنه، إلى انهيار أعمق، وتهاوٍ أبعد من التهاوي الأول.

كان يمكن للجميع أن يتجنّبوا مشهد صخرة الروشة، فالمكان سياحيّ، وفي الذاكرة مرتبط بالانتحار. فمن يقف على حافة الصخرة يقف على حافة الانتحار، ويدفع بنفسه نحو الهاوية أو التهاوي. كما أن المكان لا يحمل أي رمزية سياسية في الذاكرة اللبنانية الملأى بالاغتيالات والنكبات.

في تلك الذاكرة، حصرت غالبية العوائل السياسية أو الإقطاعية أو الروحية، وأحزابهم وجماعاتهم، رموزَهم في أماكنهم الخاصة وسط بيئتهم. فالذكرى الشعبية لولادة أو اغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط لم تخرج من حديقة «قصر المختارة»؛ منزله ومسقط رأسه، وذكرى اغتيال الرئيس بشير الجميل لم تخرج من «ساحة ساسين» بمنطقة الأشرفية حيث أقام وترعرع وبدأ حياته السياسية، وهي قريبة من مكان اغتياله.

وكان الأجدى بالقيّمين على ذكرى اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله إحياء ذكراه الشعبية إمّا أمام ضريحه وإما في مكان اغتياله. فتحديد المكان في المناسبات الثلاث يعود إلى خصوصية كل واحد منهم، وإلى انقسام اللبنانيين تجاههم. وهو انقسام عمودي يدفع بالأطراف جميعاً إلى احترام خصوصية كل طرف ومقدساته، لا أن يتحوّل إلى عامل إضافي للانقسام.

في مشهد الروشة وصخرتها كان واضحاً أن الحديث عن التعافي مبالغ فيه أو لا صحة له أصلاً، بل إن الهشاشة بلغت حداً لا يمكن إخفاؤه، وأن هذا التهاوي بلا معنى؛ لأن ثمة من يُنكر ولا يريد المراجعة. وهذا هو الحد الفاصل بين اليقينية والعقلانية؛ فصاحب اليقين العقائدي يرفض النقد والحوار بشأن الشرعية والمشروعية والدولة والهوية.

والأخطر أن رفضه يأتي في لحظة إنكار للواقع؛ أو لواقعه، ورمي للمسؤولية على الآخرين، خصوصاً على الدولة التي ساوته في الحقوق والواجبات بغيره من المواطنين. لذلك؛ فإن إصراره على فعله سيتسبّب له في مزيد من التآكل والهشاشة، ولن يسعفه هجومه في الصمود. فمشهد التهاوي؛ أفراداً وجماعاتٍ ودولاً ومحاورَ، واضح، ويمكن وصفه بـ«تهاوي التهاوي».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صخرة الروشة تهاوي التهاوي صخرة الروشة تهاوي التهاوي



GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt