توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

موسم الهجرة إلى النجف

  مصر اليوم -

موسم الهجرة إلى النجف

بقلم:مصطفى فحص

هي في تقليدها الروحي ليست مركزاً للحكم، فمنذ نشأتها، رفضت أن تكون كذلك، لكنها في لحظات الضرورة تُظهر حاكميتها وحكمتها، فتحكم بالعام من موقعها الرعوي المقيم فوق كل أشكال أو أنواع السلطات، الواسعة خارج حدود الدولة الوطنية أو المحدودة داخل بلد أو جماعة شيعية، كبيرة كانت أم صغيرة. فهي وحدها القادرة على كبح جماح المستعلين المفتونين بفائض قوتهم، وتضمد جراح العائدين من انكساراتهم أو هزائمهم.

تبرز قدرة المرجعية النجفية على كظم الغيظ، والعفو المشروط بشروطها يُربك القلة التي تُعاديها، ويُحرج بعض الخصوم أو الطامحين لمنافستها من أبناء رعيتها. لذلك، أثناء العدوان الإسرائيلي على إيران، ومع بروز مخاطر إقدام تل أبيب على اغتيال المرشد الإيراني، وتداعيات ذلك، كان بيان المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة في العالم، آية الله السيد علي السيستاني، أحد العوامل الأساسية في كبح الرعونة الإسرائيلية. فقد عدّ السيستاني أن «مثل هذا العمل ستكون له تبعات بالغة الخطورة على المنطقة بأسرها، وقد يؤدي إلى خروج الأوضاع عن السيطرة تماماً واندلاع فوضى واسعة».

في التفسير الظاهر للنص، تُشير المرجعية العليا إلى أمرين: الأول، رد فعل أبناء الطائفة الشيعية على اغتيال مرجع ديني، حتى لو لم يكونوا من أتباع ولاية الفقيه؛ إذ إن المرجعية لن تسمح أو تتسامح مع هذه السابقة. أما الآخر، فهو الفوضى داخل إيران المحتقنة أصلاً، والقابلة للاشتعال في أي لحظة، لكن إن حدث الاغتيال في تلك اللحظة التي كانت أجواء إيران تحت سيطرة الطيران الحربي الإسرائيلي، فإن الفوضى السياسية والأمنية كانت ستُهدد بمخاطر قاتلة، ليس لإيران فقط، بل لكل جوارها العربي والإسلامي. وقد بدا هذا واضحاً في رأي النخب السياسية وصنّاع القرار في المنطقة، الذي عبّر عنه بوضوح رئيس التحرير السابق لـ«الشرق الأوسط»، الأستاذ عبد الرحمن الراشد، في مقاله اللافت في الصحيفة نفسها، بعنوان: «استهدافُ المرشد تفكيرٌ مجنون».

أما باطن كلام السيستاني، وقد يكون الأكثر حساسية أو أهمية، الذي يعني كل أتباع المذهب الإسلامي الجعفري، فيمكن تفسيره بوضوح بأن عباءة المرجعية النجفية تُظلّل الجميع وتحميهم، وهي أوسع روحياً، وأقدر تأثيراً من كل مساحة الجغرافيا التوسعية الإيرانية وإمكاناتها العقائدية والسياسية والعسكرية. فالأحداث الأخيرة تضع حدّاً لكل مَن يعتقد بإمكانية مزاحمتها أو منافستها على دورها أو موقعها، أو مَن يُخطط للسيطرة عليها أو التسلسل إلى سراديبها.

النجف، في ديناميكيتها الحوزوية وتعدديتها المرجعية، لم تتوقف عن إنتاج حيويتها الفقهية، في حين تسببت سلطات طهران العقائدية في محاصرة الحيوات الفقهية في قم، خصوصاً التنويرية منها، لصالح مؤسسة ولاية الفقيه التي تمر بتحدٍّ أساسي، بسبب عدم قدرتها على تهيئة البدائل، كأن الولي الفقيه الحالي هو الأخير.

موسم الهجرة إلى النجف ليس إيرانياً فقط، بل هو عراقي ولبناني، فالطبقة السياسية الشيعية في العراق اليوم أمام تحدٍّ صعب، فما تبقّى من نظام 2003 بات من المستحيل أن يستمر. وثنائية المال والسلاح أصبحت عبئاً على شبه الدولة والمجتمع، ولا يُمكنها أن تحتفظ بسلطتها وهي في مواجهة الانتخابات أو التظاهرات، في مشهد جديد من الصراع على السلطة بين مَن يدّعي الأحقية ويتهم الآخرين بالتبعية، ويرفض التغيير تحت ذريعة المؤامرة، ومستعدٌّ من جديد لقتل المطالبين بالإصلاح، كما فعل في 2019.

أما في لبنان، خصوصاً مع تراجع دور المؤسسة الدينية الشيعية الرسمية وسيطرة «الثنائي الشيعي» عليها، إضافة إلى طموحات بعض شخصياتها، فإن المعضلة الشيعية في الاجتماع والسياسة والاقتصاد والاندماج كبيرة، وتكاد تتحول إلى «مسألة شيعية»، بسبب الأداء السياسي «للثنائي» بعد مقتلة «حرب الإسناد»، الذي يُحاول تغطية نفسه بذرائع عقائدية للحفاظ على نفوذه القائم على تحجيم مستوى الاندماج.

الهجرة إلى النجف هي العودة إلى الأوطان، أي اندماج المسلمين الشيعة أينما كانوا في أوطانهم. وهي عودة إيران إلى حدودها الوطنية والتخلّي عن النفوذ المُكلِّف الذي بات عبئاً على الشيعة. هي إعادة تعريف البيت السياسي الشيعي العراقي لهويته الوطنية، وفكرة الدولة لا السلطة. وهي انتباه الشيعة في لبنان إلى محيطهم القريب التعددي والبعيد الأغلبي، والاقتناع بأن الغلبة كانت مؤقتة، وأن تكلفتها مرتفعة.

النجف، في حلّها وترحالها، في مدارسها وسراديبها، بسلطان رأيها وصمتها، تتقن حياكة ما هو أصعب من السجاد. تمسك بدورٍ أوسع من الجغرافيا، ولكن لا يتجاوز الأوطان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسم الهجرة إلى النجف موسم الهجرة إلى النجف



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt