توقيت القاهرة المحلي 09:10:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المحيط الإقليمى

  مصر اليوم -

المحيط الإقليمى

عمرو الشوبكي

مخطئ من يتصور أن المحيط الإقليمى لأى دولة لا يؤثر على خياراتها السياسية، ومخطئ من يتصور أن المحيط الإقليمى لم يسهم فى تشكيل مسارات دول وتجارب بعينها، مثل ما جرى فى أوروبا الشرقية عشية تحولها من النظم الشيوعية الاستبدادية إلى النظم الرأسمالية الليبرالية.

وأذكر جيداً أنى وصلت لفرنسا عام 1989 لبدء دراستى، وتابعت كيف تعامل (ورتب) الغرب التغيير الذى حدث فى أوروبا الشرقية وبداية عملية التحول الديمقراطى هناك، والفكاك من أسر النظم الشيوعية والهيمنة السوفيتية.

وتغيرت كل التجارب تقريباً بحراك شعبى سلمى (أهمها كانت تجربة بولندا من خلال حركة تضامن)، مدعوم من قوى خارجية فى أوروبا الغربية وأمريكا، وبقيت رومانيا، برئاسة زعيمها شاوشيسكو، رافضة للانضمام لهذا التحول، فتدخلت أوروبا وأمريكا بصورة أكثر خشونة وأسقطته بالقوة بمشاركة بضعة آلاف من الشعب الرومانى، وسموها وقتها ثورة (وقيل بعدها إنه أقرب لانقلاب مرتب)، وتأسس نظام جديد أقام محاكمة ثورة لشاوشيسكو وزوجته، وأعدمهما فى ساعات، وظلت رومانيا بسبب ادعاءات نظامها الجديد الثورية هى البلد الأكثر فشلاً فى كل أوروبا الشرقية، وعاد رموز النظام القديم للحكم، وتاهت فى حكومات فاشلة، ولولا تدخلات الاتحاد الأوروبى الكبيرة فى أوضاعها الداخلية لما وقفت على قدميها.

وفى المجمل يمكن القول إن التحولات التى جرت فى أوروبا الشرقية ساعد على نجاحها (كعامل رئيسى) الاتحاد الأوروبى وأمريكا، عززها توافق غربى مع الاتحاد السوفيتى على عودة هذه البلدان إلى ما كنت عليه قبل تقسيمات ما بعد الحرب العالمية الثانية، التى فرضت النظم الشيوعية وقسمت ألمانيا.

نجاح أوروبا الشرقية فى عملية التحول الديمقراطى لم يكن بالكامل صناعة محلية، بل كان معتمداً فى أغلبه على القوى الغربية الكبرى التى أعادت الجسر بين شرق أوروبا وغربها، ووصلت ما جمعته الثقافة والحضارة الغربية المشتركة.

وعلى خلاف ما جرى فى تجارب أوروبا الشرقية فإن تجربتى مصر وتونس كان المكون المحلى فيهما هو الدافع الرئيسى وربما الوحيد فى اندلاع أهم ثورتين فى العالم العربى، وهى الثورة التونسية التى على طريق النجاح ونظيرتها المصرية التى تعانى من التعثر.

ورغم الاتهامات التى لم يتوقف البعض عن كيلها لثورة يناير واتهام ملايين المصريين بأنهم متآمرون وعملاء، لأن هناك مائة أو ألفاً دارت حولهم شبهات، أو بسبب وجود تنظيم إخوانى قفز إلى قطار الثورة وأراد اختطاف الدولة والمجتمع لحساباته الخاصة، وأن وجوده بهذه القوة على الساحة السياسية يتحمل مسؤوليته الرئيس مبارك الذى نما وترعرع التنظيم فى عهده وليس ثورة يناير.

ومع ذلك تبقى معضلة المحيط الإقليمى عاملاً مهماً فى التعامل مع نتائج ثورة يناير، فالدول المجاورة لمصر هى ليبيا المفككة بلا دولة ولا جيش وتسيطر عليها ميليشيات مسلحة وجماعات إرهابية وليس المجر ولا بولندا ولا التشيك، كما أن الغرب الذى تعاطف (دون أن يصنع أو يدعم مثلما جرى مع أوروبا الشرقية) مع ثورات الربيع العربى واقتنع جزء كبير من الرأى العام أن العرب مثلهم مثل باقى شعوب الأرض يمكن أن يثوروا ويبنوا ديمقراطية سرعان ما تراجع عن تعاطفه بعد أن شاهد إرهاب داعش وفشل الثورة الليبية والسورية واليمنية وعاد لخطابه القديم الاستقرار أهم من الديمقراطية.

الغرب لن يبنى ديمقراطية فى بلادنا كما فعل مع أوروبا الشرقية التى انتمت حضاريا لقيم وثقافة الغرب، أما نحن فإذا أردنا أن نبنى ديمقراطية وقبلها دولة قانون عادلة، فعلينا أن نعتمد أساسا على أنفسنا دون عزلة عن العالم، وأن يعترف الجميع بأننا محاطون ببيئة إقليمية غير مواتية لبناء ما يرغب فيه أغلب المصريين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المحيط الإقليمى المحيط الإقليمى



GMT 03:05 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

دكتور حواس وماذا عن البلايا العشر؟

GMT 03:03 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

محاضرة فرنسية هامة.. وصريحة

GMT 03:02 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

وسحبت «أسترازينيكا» اللقاح؟!

GMT 03:01 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

مستوى خطابنا على صفحات التواصل!!

GMT 02:59 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

كان الله في عونك

GMT 02:58 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

الهروب إلى الأمام

GMT 02:56 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

المساومة على رفح؟

GMT 02:53 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

رعب خارج الشاشة

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

اليوم ينصحك الفلك ألا تعلن أخبارك ولا تتكلم عن حياتك

GMT 16:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

فيسبوك تسلك طريق أكثر تشدد بشأن شفافية الإعلانات

GMT 13:54 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة لاختيار أفضل عباءة شتوية للتمتع بالأناقة والدفء

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفال بمرور 18 عامًا على إقامة متحف النوبة في أسوان

GMT 02:18 2016 الخميس ,02 حزيران / يونيو

الاعلان عن قائمة منتخب بلجيكا في "يورو 2016"

GMT 15:03 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل تاجري مخدرات جراء مشاجرة بينهما في الشرقية

GMT 14:43 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

أبراج تدعمك وتقف بجانبك في المواقف الصعبة

GMT 15:49 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ضربة موجعة لـ منتخب بلجيكا قبل انطلاق يورو 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon