توقيت القاهرة المحلي 02:02:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"صادم" و "مخجل"

  مصر اليوم -

صادم و مخجل

عريب الرنتاوي

أن يعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة عن خلو صناديقه من أية أموال تمكنه من الاستمرار في تقديم العون الإغاثي لمئات ألوف اللاجئين

السوريين، فهذا يعني جملة من الحقائق السوداء، أولها: أن المجتمع الدولي بصدد إدارة ظهره لقضية اللاجئين السوريين حتى في بعدها الإنساني

الأساسي ... وثانيها: أن كارثة إنسانية ستلحق بهؤلاء الذين طالما نظروا للإغاثة الدولية على أنها “سداد للرمق” من خطر الموت جوعاً

وبرداً ومرضا ... وثالثها: أن الدول المستضيفة، وأغلبها فقيرة في اقتصادياتها ومواردها، ستجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مُرُّ.
الخيار الأول، ألا تكتفي هذه الدول بإغلاق بواباتها ومعابرها وحدودها في وجه المزيد من موجات اللجوء واللاجئين فحسب، بل وأن تشرع في إعادة من

أمكنها إعادتهم من اللاجئين إلى ديارهم التي خرجوا منها، سواء لأسباب أمنية – سياسية أم لأسباب اقتصادية – اجتماعية ... أما الخيار الثاني،

فهو أن تتحمل أكلاف إقامة هؤلاء طويلة الأمد، ومواجهة حالات الغضب والتمرد وارتفاع معدلات الجريمة، فالجياع لا يمكن التنبؤ بسلوكهم، ولو كان

الجوع رجلاً لقتلته.
ينقلنا هذه التطور الخطير إلى تطور آخر، لا يقل مأساوية ومدعاة للخجل، ظهر في تقرير أخير لمنظمة العفو الدولية التي وصفت مواقف دول الغرب

الغنية من أزمة اللجوء السوري بـ “الصادم”، فيما وصّفت مواقف دول عربية أيضاً بالمثير لـ “الخجل” ... فمن لديه القدرة من أغنياء المنطقة

والعالم، يقف متفرجاً أو يكتفي بتقديم النزر اليسير، أما فقراء هذه المنطقة، فهم المنوط بهم تحمل أعباء أزمة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ الحروب

والكوارث الطبيعية والاجتماعية.
نحن في الأردن، ننتمي لخانة الدول الفقيرة في اقتصادها ومواردها، وغنية بأعداد اللاجئين السوريين الذين لم يجدوا ملاذاً آمناً سوى الأردن فلاذوا به

... ولقد استجاب الأردن، مجتمعاً قبل الحكومة، لهذا النداء الأخوي – الإنساني، وفتح الأردنيون قلوبهم قبل بيوتهم لإخوانهم وأخواتهم السوريين

والسوريات، واعتمد الأردن سياسة الحدود المفتوحة، وكرّست قواته المسلحة طاقات هائلة لاستقبال هؤلاء وإيوائهم والسهر على أمنهم وحمايتهم،

وتطوعت عشرات الجمعيات الخيرية والإغاثية ومؤسسات المجتمع المدني للقيام بما تقدر عليه من مهام، لجعل إقامة السوريين في بلدهم الثاني مريحة

إلى حد ما.
لكن “العين بصيرة واليد قصيرة”، وكان واضحاً لكل ذي عين بصيرة، أن الأردن سيُترك ذات يوم ليواجه أعباء اللجوء السوري منفرداً، وهي مهمة

فوق طاقاته الاقتصادية وموارده الطبيعية ... ويبدو أن لحظة الحقيقة قد أزفت، فالأزمة طالت واستطالت بأكثر مما قدر أكثر المتشائمين، وهي

مرشحة لسنوات أخرى من إراقة الدماء وانعدام الأمن والاستقرار، ويبدو أنه سيتعين على الأردن والأردنيين أن يعيشوا ويتعايشوا مع هذا التحدي

لسنوات عديدة أخرى قادمة.
إلى جانب المساعدات المحدودة التي تلقاها الأردن لإغاثة أكثر من مليون لاجئ من دول عربية وغربية، تلقى الأردن الكثير من الإشادة والثناء لدوره

القومي / الإنساني العظيم من دول المنطقة والعالم، لكن  هذه الدول، لم تفكر للحظة في مشاطرة الأردن جزءاً من أعبائه ... لم نتلق مبادرة

واحدة من أية دولة شقيقة أو غربية صديقة، لاستضافة مائة ألف لاجئ على سبيل المثال، أو لافتتاح مخيمات إيواء على أراضيها، وهي التي تمتلك من

الموارد ما يكفي لبناء معسكرات تستوعب جميع اللاجئين .
ليس موقفاً “صادماً” أو مدعاة “للخجل” فحسب، بل هو موقف شريك في صنع الكارثة الإنسانية التي أحاطت بسوريا دولة ومجتمعاً وشعباً،

فمليارات الدولارات التي صرفت لإدامة الحرب في سوريا وعليها، كانت كفيلة باختزال معاناة السوريين واحتوائها ... و”العروبة” التي تحت

لوائها جرى تمويل الحرب (قل الإرهاب)، كانت الضحية الأولى لها، وباسمها يواجه ملايين السوريين خطر الموت جوعاً وعطشاً وبرداً ومرضا...

والتحريض على الحرب والفتنة والاقتتال المذهبي، هو المسؤول عن الكارثة التي يقف “الصادمون” و”المخجلون” حيالها موقفاً لا أبالياً، لكأن

مهمتهم في تدمير سوريا قد أنجزت، ومن بعدها الطوفان.
والخلاصة، يحق لنا أن نفخر “بفقر” مواردنا وضعف اقتصادنا، فنحن على الأقل، كنا أغنياء بروحنا وأخلاقنا وعروبتنا وإنسانيتنا، ولم تسجل علينا لا

“العفو الدولية” ولا “الغذاء العالمي” أننا كنا صادمين في مواقفنا، أو مخجلين في ردات أفعالنا ... وفي هذا السياق، وفي هذا السياق فقط،

يمكن أن نتفق أو نختلف في قراءة الكيفية التي عالجت بها حكوماتنا ملف اللجوء السوري.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صادم و مخجل صادم و مخجل



GMT 02:02 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

المكالمة الأخيرة

GMT 01:59 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

«مصيدة أليسون» والعاصفة الكونية المتجمعة

GMT 01:56 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

فلسطين في انتخابات البريطانيين

GMT 01:53 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الحذر... إلا مصر

GMT 12:38 2024 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

... وإبادة الحضارات

GMT 12:33 2024 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

صبّوا علينا من ماء الديمقراطية... ولن نسقيكم!

GMT 02:10 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ثلاثة أحداث فارقة ومستقبل الدولة الفلسطينية

GMT 21:35 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

مونشنجلادباخ مصدوم من تعليقات جماهيره العنصرية

GMT 01:12 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

محمد هنيدي يكشف عن سبب عدم حضوره جنازة حسن حسني

GMT 10:29 2020 الأربعاء ,26 شباط / فبراير

إيهود باراك يمدح حسني مبارك ويصفه بـ"الفرعون"

GMT 22:53 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أول ظهور لـ والدة وخالة النجمة زينة

GMT 17:59 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

مصرع عروسين إثر تسريب غاز منزلي في بني سويف

GMT 18:33 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ديانج يغيب عن مران الأهلي في ملعب التتش للإصابة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon