توقيت القاهرة المحلي 23:55:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«ثورة دينية»

  مصر اليوم -

«ثورة دينية»

عريب الرنتاوي


بصرف النظر عن الدوافع التي حدت بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإطلاق نداء عاجل لـ “ثورة دينية”، إلا انها جاءت في توقيتها، حتى لا نقول جاءت متأخرة، ويتعين على الجهات المُخَاطَبَةِ بها: الأزهر ودار الإفتاء وعلماء الدين ورجالاته، أن يشرعوا من دون إبطاء في إطلاق ورشة “الإصلاح الديني” مستفيدين من المظلة التي يوفرها المستوى السياسي، لمقاومة مظاهر الابتزاز والتخويف والإرهاب.
وفي ظني أنه يتعين على بقية القادة العرب، أن يتخلوا عن منطق “مراعاة” أصحاب الأصوات العالية والمتشددة والخضوع لابتزازهم، بل ومزاحمتهم على ما يعتقدونه “شرعية دينية”، وأن يذهبوا مذهب السيسي، فالحال لم تعد يحتمل مزيداً من فوضى الإفتاء وفلتان الاجتهاد وسيادة أكثر القراءات تطرفاً وتخلفاً للإسلام وتعالميه ... وهي قراءات باتت سائدة في معظم أرجاء العالم العربي للأسف، وتشكل حاضنة للتكفير والتطرف والإرهاب.
لكن نداء السيسي يصطدم بحقيقة أن كثيرا من مؤسسات “الإسلام الرسمي” قد فقدت قدرتها على التأثير، بسبب التصاقها بالحكام وحرصها على “تكييف” الإفتاء وفقاً لمقتضيات السلطة وحاجاتها واولوياتها؛ ما خلق فراغاً مخيفاً، نجح “فقهاء الظلام” في ملء مساحات واسعة منه، وبات تأثيرهم على الأجيال الصاعدة، أعلى بكثير من تأثير المؤسسة الدينية الرسمية.
وينطبق ذلك على مؤسسة الأزهر، جامعة ومشيخة، فتقلب مواقف هذه الصرح العلمي بتقلب العهود التي تعاقبت على حكم مصر، أضعف كثيراً من تأثيرها ونفوذها ... واليوم، تشتد الحاجة لاستعادة هذه المؤسسة لصدقيتها واستقلاليتها التامة، حتى يتاح لها استعادة دورها وتأثيرها.
وعلى السيسي وغيره من الحكام العرب، أن يدركوا تمام الإدراك، أن الكلف المترتبة على إضعاف استقلالية هذه المؤسسات، أعلى بكثير من الكلف المتأتية على أية مواقف انتقادية قد تصدر عنها بحقهم، فمهما بلغ وقع “سلاح النقد” الذي قد يلجأ الأزهر إليه، سيظل أقل خطر من “النقد بالسلاح” الذي تمارسه تيارات الغلو وشيوخ التطرف.
وها نحن وصلنا في هذه المنطقة، إلى وضعية تشتد فيها الحاجة لإطلاق “ثورة إصلاح ديني”، من دون أن تكون لدينا الأدوات الفاعلة والمستقلة والمؤثرة في الرأي العام... ها نحن نذهب إلى حرب فكرية – ثقافية مع تيار الغلو والتطرف، من دون أن تكون لدينا الأسلحة والأدوات الكفيلة بالانتصار في هذه المعركة ... وما ينطبق على مصر، ينطبق على العديد من الدول والمجتمعات العربية، وفي ظني أن هذا هو ما يفسر (إلى جانب عوامل أخرى) عدم نجاحنا بعد، في كسب معركة القلوب والعقول، واستمرار قدرة الظلاميين والتكفيريين على التجنيد والتحشيد وكسب المؤيدين.
لا حدود للمجالات والميادين التي تبدو بأشد الحاجة للمراجعة والتصويب، بعد أن أغلق باب الاجتهاد لعقود وقرون طويلة، من الأحوال الشخصية إلى منظومة الحقوق والواجبات والحريات، إلى نظرية الحكم والدولة، فضلاً عن قضايا الحرب والسلام ونظرية الجهاد والعلاقة مع الاخر وفكرة العيش والتسامح وثقافة الحوار ومبادئ حقوق الانسان على اتساعها
إن واحدة من أسباب إخفاق تجارب حكم الإسلاميين في عدد من الدول والمجتمعات العربية، إنما يعود (من بين عوامل أخرى عديدة) إلى فشل الحركات الإسلامية في هذه الدول، في “عصرنة” و”تحديث” قراءتها للفكر الإسلامي، اما الدول التي ما زال الإسلاميون فيها قادرين على المشاركة في السلطة والتناوب عليها، فقد تميزت بوجود حركات، قطعت اشواطاً كبيرة على طريق المراجعة والتصويب وممارسة النقد والنقد الذاتي، وتقديم الحداثة على الأصالة، والمعاصرة على السلفية المعلبة، واعتمدت مرجعيات أخرى حداثية، إلى جانب مرجعيتها الإسلامية.
وأحسب أنه يتعين على هذه الحركات ومفكريها بخاصة، ألا يتوقفوا بمراجعاتهم عند “الشق السياسي” من عملهم وخطابهم، بل ان يذهبوا أبعد من خطاب “الإصلاح السياسي” للغوص عميقاً في مضامين “الإصلاح الديني”، وإيلاء جهد أكبر “للتنظير” لهذه التحولات، وإنتاج فقه إسلامي حديث وعصري.
الأمم التي تقدمت مرت بمخاض مرير ومديد من المراجعات والإصلاحات، بما فيها “ثورات الإصلاح الديني والكنسي”، ومن دون ان يضطلع بعضنا بهذه المسؤولية، سنظل نراوح في مكاننا، بين مد وجزر، خطوة للأمام وخطوتان إلى الوراء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ثورة دينية» «ثورة دينية»



GMT 21:20 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

لبنان وثمن حرب غزّة

GMT 21:17 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

العيش!

GMT 21:16 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

درس غزة!

GMT 21:15 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

حكاية عن الحكيم

GMT 19:45 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

مطلوب تدريس هذا الكتاب في الثانوية

GMT 19:44 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

الأيام «النحسات»

GMT 19:43 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

هل هناك فرق بين نتنياهو وإسرائيل؟!

GMT 10:14 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

مواسم الوزراء والمحافظين!

نانسي عجرم بإطلالة رقيقة في حفل لـ "Tiffany and co"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:14 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

إطلالات أنثوية لياسمين صبري باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنثوية لياسمين صبري باللون الأحمر

GMT 14:58 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

الفنانة شيرين رضا تعلن اعتزال الفن
  مصر اليوم - الفنانة شيرين رضا تعلن اعتزال الفن

GMT 22:12 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

ضبط 186 قطعة أثرية بحوزة عاطل في بني سويف

GMT 03:40 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء يؤكّدون أنّ تغيّر المناخ قد يسمّم أنهار الأرض

GMT 10:46 2015 الخميس ,09 إبريل / نيسان

صبري فواز ينشر صورة تجمعه بالفنانة منة شلبي

GMT 22:23 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

حمادة طلبة غاضب من جاهل تكريمه بعد التأهل إلى المونديال

GMT 10:35 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

وفاة والدة السيدة الأولى الأميركية السابقة ميلانيا ترامب

GMT 15:20 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

"Miss Dior Eau de Parfum" عطر تفوح منه رائحة الحبّ

GMT 07:42 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

التفاصيل الكاملة لحفل حسن شاكوش القادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon