توقيت القاهرة المحلي 20:14:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بمناسبة أن الدنيا ربيع

  مصر اليوم -

بمناسبة أن الدنيا ربيع

وائل عبدالفتاح

لنتخيل أن الأصل فى السياسة/ بكل ما تعنيه من عمليات إدارة الحكم/ وبناء مواقف تتطور بها أدوات الحكم/ هى الحصول على السعادة/ وفى الديكتاتورية يحتكرها شخص واحد/ وحاشيته وعصابته/ أما فى الديمقراطية فتتسع نطاقات السعادة. هذا اختصار سيبدو للبعض مخلا/ أو رومانتيكيا/ حالما/ أو منفصلا عن الواقع كما يحب المتورطون/ الغارقون فى الواقعية اعتبار أن الواقع فقط/ قلة الإمكانيات أو محدوديتها أو عجز الخيال. وكلما سمعت طلب «خليك واقعى» يتبعه كلام عن تحجيم الخيال/ والنظر إلى الممكن/ وهذه السياسة/ لكن الثورة هى توسيع هذا الممكن/ كسر الأسوار المقامة حول واقع مغلق تتوزع فيه الأنصبة والمصالح حسب قوانين لم تعد صالحة. الواقعيون هم مقبرة الثورة أم حفارو هذه القبور فهم الخائفون من التغيير/ عباد الاستقرار/ اللاهثون باتجاه الأب بعد أن يموت الأب/ والطالبون لمغفرة سلطة ظالمة بعد الثورة عليها. لكن هؤلاء لهم معذرة/ سعادتهم فى الحفاظ على مواقعهم/ والتواطؤ مع الأفق المسدود باعتباره الجنة الممكنة.. و«خليك واقعى.. أحلامك ودتنا فى داهية.. وثورتك نكستنا». إنهم يرددون خطابات أسياد مرحلة الفساد والاستبداد/ هؤلاء الذين حجزوا مواقع متقدمة فى مدرج السلطة/ حين كان كل حياتك تمر فى البحث عن دائرة علاقات تمنحك النفوذ/ أو أرقام تليفونات ضابط أو وكيل نيابة يعيد لك الرخصة/ أو يحميك من حفلات أقسام البوليس. لن تفرق معهم هؤلاء أن تمر الحياة فى تلك العمليات السخيفة/ لكن من يردد كلماتهم تعبيرا عن عدم استيعابه للتغير ما دام يؤثر سلبا (فى الدخل والأمن) تلك الرشوة التى تمنح نظم الاستبداد… لهم بعض العذر.. إنهم واقعيون تعودوا على العيش بالرشوة/ وحياتهم ترتبت فى انتظار «مستبد عادل»/ المهم العدل… ولهذا وجد عشاق عبد الناصر متسعا للاحتفال وترويج فكرتهم: «إن مستقبلنا السعيد فى ماضى الديكتاتورية النبيلة…». كل هذا ليس عيبا فى حد ذاته/ فجماعات المنتظرين لعودة الزعيم أو الأمير سيظلون كذلك/ لكنهم يشعرون بالزهوة فى غياب بدائل/ أو عدم قدرة العشب الذى نما فى الصحراء التى كانت قبل الثورة.. على مقاومة التصحر الجديد. بمعنى أن الثورة جاءت بعد عملية تصحير ممنهجة من نظام مبارك/ قامت الثورة بدون أحزاب/ ولا كيانات سياسية/ولم يكن فى مجال الرؤية سوى شجرتين قديمتين الأولى لمنتظرى الخليفة (الإخوان) أو منتظرى المستبد العادل (الناصريين).. وعلى اختلافهما/ فإنهما ينتميان إلى أيديوجيات شعبوية/ لها علاقة سلطوية باتباعها. الثورة انفجرت والبلد كلها صحراء يقيم مبارك قلعته بجهاز أمنى/ وعلى هامشه شجرتان إحداهما أكبر من الأخرى/ وكلاهما شارك فى الثورة التى قامت على السلطوية من أجل استرداد الحق فى أن تكون الشجرة الواحدة غابة. وعندما تصور الإخوان أن شجرتهم ستحتل الصحراء وحدها/ وكانت معركتهم الحقيقية ليست مع السلطة أو النظام أو مؤسسات الدولة العميقة، لكن مع من نشروا العشب الأخضر فى الصحراء/ كيف يحرقون الأخضر الذى ما زال بلا جذور/ وكيف تعود الحياة السياسية يابسة لتتحول الشجرة إلى مظلة حكم الفقيه القادم من عصر الظلمات الأسود. العشب/ الذى ينتشر بلا جذور كما يقول صديقى الذى شعرته أنه قديم من أول جلسة الدكتور طارق أبو النجا/لكنه قادر على تفكيك تلك الجذور القديمة للسلطوية/ وانتظار المخلص الهابط من سماء النبوة أو البطولة المطلقة… ساعتها فقط يمكن أن يكون للعشب الأخضر جذور… لنفكر قليلا… لا يمكن العودة إلى الصحراء والتخلص من الإخوان باعتبارهم خطرا/ وليس تنظيما قريبا/ ولا بد من التفكير ماذا بعد؟ هل ننتظر مخلصا/ بطلا/ مهما كان نبله (ينافس نبل عبد الناصر) فإن دورة قدرته على السعادة قصيرة قصر الفرجة على فيلم فى السينما… فإن البطل بعد أن يهزم يتحول بطلا على الشعب الذى صنع منه البطولة، خاصة عندما يعود الشعب إلى الكنبة منتظرا المعجزات… هذا معناه… وبوضوح أن هناك إمكانية للتصالح مع التاريخ ليس من مدخل التمجيد والتأكيد على الأسطورة… لأن المجد عندما يكون فى الماضى فإن بؤس الشعوب يتجلى بانحطاط بالغ.. كما أن الأساطير عندما تكبس على الأنفاس تتحول الأفكار إلى مجرد زغاريد أو لعنات… هكذا فإننا من سنصنع سعادتنا/ إن أردنا/ أو على الأقل يمكن أن نسير فى رحلة إليها/ إذا نظرت إلى الماضى بغضب… وتخلصت من ثقله… مع الاحتفاظ بالمحبة… فالفرد يقتل الأب بالمعنى الفرويدى ليولد كائنا حرا… وهذا لا يلغى المحبة الواقعية للأب. "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بمناسبة أن الدنيا ربيع بمناسبة أن الدنيا ربيع



GMT 19:49 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

في معنى «التنوير»

GMT 19:48 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

طه حسين كمان وكمان

GMT 19:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قراءة في مذكّرات يوسف حمد الإبراهيم

GMT 19:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

محاولة بعث الصدام الحضاري

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

‎ لماذا دخل نتنياهو رفح؟

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

دورتموند نصف الدراما وكل الحظ؟!

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

أسرق.. وبعدين أتصالح!!

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:11 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

ماجد المهندس يعلن عن مشروع فنى جديد
  مصر اليوم - ماجد المهندس يعلن عن مشروع فنى جديد

GMT 00:46 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات طبيعية للشعر بمفعول الكيراتين

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

الإفتاء المصرية تؤكد أن إنفاق المرأة فضل منها

GMT 14:21 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فلنتعلم من الطبيعة

GMT 22:24 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

تقارير تكشف حسم ريال مدريد صفقة ديفيد ألابا مجانًا

GMT 05:05 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بدء طرح كراسات شروط الإسكان الاجتماعي في مصر الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon