توقيت القاهرة المحلي 07:42:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات (71) لغة القانون ولغة السياسة

  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات 71 لغة القانون ولغة السياسة

بقلم: مصطفي الفقي

عندما التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى جامعة القاهرة عام 1962 بهرتنى محاضرات القانون فى فروعه المختلفة، حيث إن الكلية الوليدة لم تكن قد حسمت أمرها فى التخصصات التى تحدد بها مواد الدراسة باستثناء أنها سوف تكون مزيجًا من كليات الحقوق والتجارة بل الآداب أيضًا، ولقد شدتنى مواد الدراسات القانونية، بدءًا من المدخل مرورًا بنظرية الحق وصولاً إلى فلسفة القانون، مستمدة من الدراسات المتصلة بتاريخ القاعدة القانونية وصفاتها العامة المجردة التى تنصرف إلى الناس بذواتهم دون الاعتبار بشخصياتهم، فالقانون هو علم الحياد وهو بحق المنظم الأول لحياة البشر، فإذا كان مهندس الكون الأعظم قد رتّب أموره على النحو الذى يكفل له الديمومة والبقاء فهو أيضًا الذى أعطاه ما يمكن أن يكون همزة وصل بين الأطراف المتشابكة للحياة، لذلك وجدنا أن القاعدة القانونية دومًا عمياء، ولذلك رمزوا للعدالة بسيدة معصوبة العينين، فهى لا تفرق بين غنى وفقير ولا بين سيد قرشى وعبد حبشى كما كانوا يقولون، بل هى تتجه إلى موضوع المادة القانونية التى يستمدها الشراح من القاعدة العامة، ومازلت أتذكر أن أستاذ القانون الذى كان يدرس لنا المدخل كان يعرف (الجزاء) بأنه زاجر دنيوى منظم، وهى لغة متخصصة تقترب من الرياضيات العليا، بحيث إنك لو رفعت كلمة واحدة منه لأصابها الخلل وفقدت مضمونها، ولذلك فإن لغة القانون محددة واضحة قاطعة، لأن قاعدتها مانعة جامعة. كما أن تلك اللغة الموجزة والشاملة فى الوقت نفسه لا تحتمل أكثر من تأويل ولا يتحقق معها إلا المعنى الواحد المتفق عليه، ولقد بهرتنى لغة القانون حتى إننى فكرت لو أننى كنت قد التحقت بكلية الحقوق وكانت خلفيتى فى تلك الحالة فرانكفونية لكان لى شأن أفضل، وفى ظنى أن رجل القانون يلم من كل المعارف بل كل فروع العلم بطرف لأنه يحكم بخبرته وأمانته وضميره، ويحسن أن يكون موسوعى الثقافة واسع الاطلاع متفهمًا لظروف المجتمعات وأصولها غير معزول عن المجتمع الذى ينتمى إليه ويرتبط به، ولقد عملت مع الدكتور أحمد فتحى سرور لأكثر من عشر سنوات رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان المصرى، وأعجبنى كثيرًا ذكاؤه الحاد وقدراته الكبيرة التى تجاوزت حدود القانون الجنائى الذى كان رئيسًا لجمعيته الدولية أيضًا، وكان يداعبنى كثيرًا ببعض القضايا التى مرت عليه وكيف تصرف فيها بذكاء واسع ورؤية ثاقبة، ولذلك كان طبيعيًّا أن يتبوأ المناصب السياسية والاقتصادية الهامة فى الدولة حقوقيون من رجال القانون، وقبل ثورة 1952 كان يمكن أن يكون وزير المواصلات حقوقيًّا، وكذلك وزير الصحة ومعهما وزير الأشغال، فقد كان الباب مفتوحًا أمام رجال القانون باعتبارهم السلعة المشتركة بين الجميع، ولا يعلو على وشاح القضاء وشاح آخر، فالعدالة هى القيمة الحقيقية فى المجتمعات القوية والشعوب الراقية، وتتردد قصة تقول إن الرئيس الفرنسى شارل ديجول عندما جرى استدعاؤه لإنقاذ فرنسا بعد أن كانت متورطة فى حرب الجزائر على نحو مؤلم فإذا بالزعيم الفرنسى العملاق شكلًا وموضوعًا يسأل كيف حال القضاء وقيل له القضاء بخير، قال إذًا فرنسا بخير! وتربطنى صلات طويلة بكثير من رجال القانون فى مقدمتهم الوزير مفيد شهاب صديق العمر وغيره من الوزراء والمسؤولين الكبار الذين درسوا القانون وعرفوا فصوله وفهموا فلسفته، وأدركوا أن القانون هو علم العلوم لا تسبقه إلا دراسة الفلسفة باعتبارها هى التى تحدد القواعد والحدود للتفكير العقلى الناضج للقضايا الإنسانية المختلفة.. إننى أحيى رجال القانون وأنحنى لهم تقديرًا وإجلالًا، مطالبًا بسيادة القانون وحده دون أى اعتبار لأمر آخر، لأن رؤية الإنسان المتحضر هى الأولى ولا شيء يعلو على القانون لغةً وفلسفةً وفكرًا، ورجال القانون نماذج وأمثلة وروادًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 71 لغة القانون ولغة السياسة اعترافات ومراجعات 71 لغة القانون ولغة السياسة



GMT 07:37 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

هستيريا الأوزمبيك

GMT 07:30 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

هل تتوسع الحرب على لبنان؟

GMT 07:28 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

لبنان... الأردن... سوريا: إصلاح أم إفناء؟

GMT 07:26 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

بين هاريس وترمب... نصيحة البابا

GMT 07:23 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الديمقراطية ليست حلاً

GMT 07:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

هل حان الوقت لانعطافة نهائية في أوكرانيا؟

GMT 07:14 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

يا قلم من يشتريك؟

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:49 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

تنسيق التنورة القصيرة بطريقة شبابية وعصرية
  مصر اليوم - تنسيق التنورة القصيرة بطريقة شبابية وعصرية
  مصر اليوم - تنسيق الأثاث المناسب للمساحات المنزلية الصغيرة

GMT 06:36 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

زينة تُعيد صابرين للسينما بفيلم «بنات الباشا»
  مصر اليوم - زينة تُعيد صابرين للسينما بفيلم «بنات الباشا»

GMT 02:35 2021 السبت ,19 حزيران / يونيو

الإيرانيون يختارون رئيساً جديداً اليوم

GMT 09:09 2021 الأحد ,06 حزيران / يونيو

عباءات محتشمة تخاطب العالمية من دبي

GMT 06:51 2021 السبت ,24 إبريل / نيسان

سامسونغ تستعد لإطلاق أفضل حواسبها المحمولة

GMT 04:28 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

وجهة السفر الأكثر شعبيَّة في جنوب شرق آسيا

GMT 17:42 2021 الأحد ,28 شباط / فبراير

العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي

GMT 04:06 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يدعو المواطنين للبحث على "غوغل" عن اللقاحات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon