توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحكام والتاريخ

  مصر اليوم -

الحكام والتاريخ

بقلم: مصطفي الفقي

يختلف تقييم الشعوب لحكامهم أثناء الحكم وبعد زوال السلطة غالبًا فى الدول التى لا تتمتع بالديمقراطية الكاملة وليس لديها الوعى الذى يسمح لها بتوجيه الانتقاد الموضوعى لأحداثٍ وشخوص تمر عليهم، والسبب فى ذلك يبدو أحيانًا كمن يتطلع إلى لوحة فنية فيرى فيها رتوشًا مبعثرة وخطوطًا متناثرة، لكنه إذا ابتعد عنها قليلا يجد فيها ما يوحى بالجمال وما يدعو للإعجاب، وقديمًا قالوا: (رب يومٍ بكيت منه.. فلما مضى بكيت عليه)، فحتى الزعامات الكبرى فى التاريخ وجدت من ينتقدها ويوجه إليها طعناتٍ سياسية وشخصية، فقد دخل الرئيس الفرنسى الأسبق «ساركوزى» السجن مؤخرًا بسبب جريمة قبول التمويل من نظام القذافى لحملته الانتخابية والتى يمكن تصنيفها كرشوة سياسية يعاقب عليها القانون الفرنسى، وليس الأمر كذلك فحسب، بل إن زعامة ضخمة بحجم الجنرال ديجول وجدت أيضًا من يوجه لها الانتقادات رافضًا سياساتها الأوروبية والدولية، كما أن جمال عبدالناصر فى مصر الذى حظى بأكبر رصيدٍ من الشعبية الجماهيرية فى تاريخنا المعاصر تعرض هو الآخر لحملاتٍ ضارية تركز على أخطائه وتغفل إيجابيات سياساته ومواقفه، كذلك فإن أحمد عرابى، زعيم ثورة الفلاحين داخل الجيش وخارجه، قد تلقى إهانات بالغة وهو فى المنفى وبعد عودته، وبدا الرجل الذى وقف أمام الخديو على حصانه شاهرًا سيفه قائلا: (لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذى لا إله غيره إننا لن نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم)، وهو نفسه عرابى الذى عاد من المنفى بعد سنواتٍ من العزلة، وقد هجاه أمير الشعراء أحمد شوقى بأبيات شعر قاسية، وكان بعض الجهلاء يبصقون تجاه عرابى وهو يجلس على المقهى بعد عودته من المنفى باعتباره سبب البلاء الذى حل بالبلاد، وأدى إلى الاحتلال البريطانى لمصر، فالزعماء والقادة والحكام هم بشر يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق، ومن العبث أن نتصور أنهم تركيبة مختلفة أو نوعية متميزة من أصحاب الرأى وصانعى القرار، بل إن الطغاة والبغاة فى التاريخ الإنسانى المعاصر يتركون دائمًا بصماتٍ قاسية على الشعوب، خصوصًا أن التاريخ لا يرحم وأحكام الزمان تبقى قاسية، لهذا يجب علينا أن نضع كل قائد أو حاكم أو زعيم فى إطاره التاريخى ومرحلته الزمنية التى ينتمى إليها، فالذين ينتقدون حاكمًا بذاته أو قائدًا لدوره، إنما يتجاهلون الظروف التى كان يحكم فيها والمحاذير التى كانت تحيط به، ولا يدركون فى الوقت نفسه أن لكل عصر رموزه ولكل أوانٍ مواقفه، فمن العبث أن نلقى باللائمة وفق الهوى ونتيجة الرغبات الشخصية والمصالح الذاتية، فمحكمة التاريخ عادلة فى النهاية، وقد تنصف البعض لتنقلهم من ميدان الهوان إلى أعلى مراتب الوطنية ومواقع التقدير، كما أن العكس يمكن أن يحدث وهو أن يدرك الجميع أن مسيرة الحاكم أو القائد أو المسؤول فى عصر معين قد أعطته أكثر مما يستحق، وأن علينا أن ننظر إليه بحجمه الطبيعى دون الانهيار أمام كاريزما الزعامة أو الانبهار العاطفى حتى لا تغيب الحقائق أمامنا فى غمار الرؤى والأفكار والسياسات المختلفة. فلنكن موضوعيين فى أحكامنا محايدين فى تقديراتنا وآرائنا، مدركين أن البقاء لله وحده.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكام والتاريخ الحكام والتاريخ



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt