بقلم: عبد المنعم سعيد
لم يكن التردد ثم الاستسلام فى مسألة السلاح النووى هو التردد الوحيد لدى النخبة الأوكرانية؛ حيث كان الخلاف حول هوية أوكرانيا وعما إذا كانت أوكرانيا خالصة لغويا وثقافيا، ومن ثم فإن توجهها يكون فى اتجاه المعسكر الغربى أو أنها دولة متعددة الأعراق، ومن ثم فإن عليها أن تأخذ فى الاعتبار الأقلية الناطقة بالروسية فى البلاد وما يصاحبها من علاقات وثيقة مع روسيا. هذا التردد رتب سلسلة من الانقسامات والانقلابات السياسية فى أوكرانيا بين الذين يريدون الاقتراب من موسكو، أو الذين يريدون الالتحاق بواشنطن وبروكسل حيث الاتحاد الأوروبي. النتيجة كانت حكومات «سلطوية» وثورات برتقالية ضدها فى أعوام 2004 و 2014 كانت جزءا من انقسامها ليس فقط بين «السلطوية» و«الديمقراطية» وإنما الالتحاق بموسكو أو واشنطن بكل ما يشمله ذلك من دلالات. ولم تكن النخبة فى أوكرانيا قادرة على حسم هذه العلاقات كما فعلت دول أخرى مثل دول البلطيق التى لحقت بالغرب وحلف الأطلنطي، ودول وسط آسيا التى عزمت على موقف متوازن بين الطرفين وتصفية خلافاتها مع بعضها البعض (أذربيجان وأرمينيا) بقوة السلاح.
التردد فى اللحاق الأوكرانى بحلف الأطلنطى عكس نفسه فى السياسة الداخلية الأوكرانية، وكان كذلك موجودا دخل المعسكر الغربى بين مدرستين تؤثران فى السياسة الخارجية لحلف الأطلنطى خاصة الولايات المتحدة؛ أولاهما المدرسة المثالية الليبرالية التى وجدت فى لحظة انهيار الاتحاد السوفيتى «نهاية التاريخ»، حيث التطبيقات الليبرالية والديمقراطية فى السياسة والاقتصاد. وثانيهما المدرسة الواقعية التى تنظر فى الجغرافيا والتاريخ، وتعرف منهما أن روسيا رغم انهيارها لها ثقافة الدول الكبرى ذات التاريخ والحضارة وما يضاف إليها من ترسانة نووية تكفى لتدمير العالم. المدرسة الأولى رأت أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى وحلف الأطلنطى ضرورة للضغط على روسيا ودفعها نحو الوجود داخل المعسكر الغربي؛ أما المدرسة الثانية فوجدت أن سعيا فى هذا السبيل سوف يضع ضغطا كافيا على روسيا لإشعال الحرب. يتبع