توقيت القاهرة المحلي 06:58:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً: ضاحكاً مرحاً

  مصر اليوم -

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً ضاحكاً مرحاً

بقلم:سمير عطا الله

«اكتشاف مذهل» ليس بالنسبة إلى الأدب العالمي، بل إلى قارئ عادي كان بين الملايين الذين أدهشتهم أعمال لوركا ونيرودا معاً. صحيح أنَّ قيمة نيرودا في آداب العالم أعظم بكثير من قيمة لوركا، لكن الأخير عَلَم من أعلام الملحمة الشعرية الإسبانية. أليس مدهشاً أن نعرف من نيرودا أنَّ صديقه الحزين كان كوميدياً ضاحكاً ممتلئاً بالفرح وعشق الحياة؟ سوف تدهشون لهذا الفصل من المذكرات.

«... كنا ذلك المساء على موعد مع لوركا. لكنَّه لم يأتِ. كان على موعد مع الموت على أيدي رجال فرانكو. لم نَرَ بعضنا مرة أخرى. كانت تلك أيضاً بداية الحرب الأهلية الإسبانية. ليلة اختفاء الشاعر.

ويا له من شاعر! لم أرَ قط في أي شخص آخر ما جمع بين الرقة والعبقرية، والقلب المجنح والشلال البلوري، كما جمع بينهما هو. كان فيديريكو غارسيا لوركا يتمتَّع ببهجة جذابة، ولدت في قلبه شغفاً بالحياة، وأشعته ككوكب. كانَ صريحاً ومضحكاً، عالمياً ومحلياً، موهوباً موسيقياً استثنائياً، وممثلاً صامتاً رائعاً، سريع الانفعال ومؤمناً بالخرافات، متألقاً ونبيلاً، كان مثالاً لإسبانيا عبر العصور، لتقاليدها الشعبية. من أصول عربية-أندلسية. أضاء وعبق مثل الياسمين مسرح إسبانيا التي، للأسف، رحلت إلى الأبد. أغرتني مهارة غارسيا لوركا الفذة في استخدام الاستعارات، وجذبتني كل كتاباته. من جانبه، كان يطلب مني أحياناً أن أقرأ له أحدث قصائدي، وفي منتصف القراءة كان يقاطعني صارخاً: توقف، توقف، أنت تؤثر عليّ!».

في المسرح وفي الصمت، في الحشد وفي المجموعة الصغيرة، كان يبدع الجمال. لم أعرف أبداً أي شخص آخر لديه مثل هذه الأيدي السحرية، ولم يكن لدي أبداً أخٌ يحب الضحك أكثر منه. كان يضحك، ويرقص، ويعزف على البيانو، ويقفز، ويبتكر، وكان متألقاً. يا له من صديق مسكين، كانت لديه كل المواهب الطبيعية، وكان صائغاً، ونحلة في خلية الشعر العظيم، لكنه كان يهدر موهبته الإبداعية أحياناً.

ذات مرة ألقيت محاضرة عن غارسيا لوركا، بعد سنوات من وفاته، وسألني أحد الحاضرين: «في قصيدتك «أودا إلى فيديريكو غارسيا لوركا»، لماذا تقول إنهم يطلون المستشفيات باللون الأزرق من أجله؟

«انظر يا صديقي»، أجبت، «طرح هذا النوع من الأسئلة على شاعر يشبه سؤال امرأة عن عمرها. الشعر ليس مادة ثابتة، بل تيار متدفق غالباً ما يهرب من بين يدي المبدع نفسه. تتكون مادته الخام من عناصر موجودة وغير موجودة في الوقت نفسه، من أشياء قائمة وغير قائمة.

على أي حال، سأحاول أن أقدم لك إجابة صادقة. بالنسبة لي، الأزرق هو أجمل الألوان. إنه يوحي بالفضاء كما يراه الإنسان، مثل قبة السماء، التي ترتفع نحو الحرية والفرح. كان وجود فيديريكو، وسحره الشخصي، يبعثان جواً من الفرح حوله. ربما تعني سطري أن حتى المستشفيات، وحتى حزن المستشفيات، يمكن أن تتحول بفعل سحر تأثيره، وتصبح فجأة مباني زرقاء جميلة».

كان فيديريكو يشعر بحدس وفاته. ذات مرة، بعد عودته من جولة مسرحية، اتصل بي ليخبرني عن حادثة غريبة. كان قد وصل مع فرقة «لا باراكا» إلى قرية نائية في قشتالة، وأقام مخيماً على أطراف البلدة. كان فيديريكو متعباً للغاية بسبب ضغوط الرحلة، ولم يستطع النوم. نهض عند الفجر وخرج للتجول بمفرده. كان الجو بارداً، ذلك البرد القارس الذي تخصصه قشتالة للمسافرين، للأجانب. انقسم الضباب إلى كتل بيضاء، مما أعطى كل شيء بُعداً شبحياً.

إلى اللقاء...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً ضاحكاً مرحاً شاعر الأندلس لم يكن حزيناً ضاحكاً مرحاً



GMT 15:29 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

المشهد من موسكو

GMT 15:28 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

طارق السويدان وزمان «الإخوان»

GMT 15:19 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

لبنان دولة للضيوف لا لأهلها

GMT 15:17 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

الفلسطينيون... مأزق السلاح والسياسة

GMT 15:15 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

«الست» أم كلثوم و«الست» منى زكي!

GMT 15:12 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

«أم كلثوم» فى «البحر الأحمر»!!

GMT 15:08 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

هذا ليس من شأنك

GMT 15:06 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

جائزة الفيفا فى النفاق

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 04:47 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

غارات إسرائيلية تستهدف مواقع في جنوبي لبنان
  مصر اليوم - غارات إسرائيلية تستهدف مواقع في جنوبي لبنان

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 10:53 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:04 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 10:50 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 11:18 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 02:42 2025 الجمعة ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لأجمل بدلات للرجل الأنيق في خزانته

GMT 08:28 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار ونصائح لتزيين المنزل مع اقتراب موسم الهالوين

GMT 01:23 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

فيرستابن يحسم سباق كندا ويعزز صدارته للفورمولا 1
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt