توقيت القاهرة المحلي 01:24:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترامب وبي بي سي (2): حين تتحوّل الأخطاء المهنية إلى وقود للصدام الشعبوي

  مصر اليوم -

ترامب وبي بي سي 2 حين تتحوّل الأخطاء المهنية إلى وقود للصدام الشعبوي

بقلم : عبد اللطيف المناوي

بعيدًا عن التفاصيل القانونية البحتة، لا يمكن فصل الدعوى التى رفعها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ضد هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» عن تاريخ طويل من الصدام بينه وبين وسائل الإعلام التقليدية. فمنذ صعوده السياسى، لم يتعامل ترامب مع الإعلام باعتباره سلطة رقابية أو شريكًا فى المجال العام، بل بوصفه خصمًا مباشرًا. خطاباته المتكررة التى تصف الصحافة بـ«العدو» أو «آلة التحريف» لم تكن مجرد انفعالات عابرة، بل جزءًا من بناء سردية سياسية تقوم على المواجهة الدائمة مع «النخب» والمؤسسات.

فى هذا السياق، يرى كثير من المراقبين أن اللجوء إلى القضاء فى هذه القضية لا يمكن قراءته فقط كمسعى لتحقيق العدالة، بل كحلقة جديدة فى استراتيجية ضغط أوسع. فالدعوى، بحجمها المالى وحدتها الخطابية، تحمل رسالة ردع واضحة؛ أى خطأ مهنى، مهما كان محدودًا أو معترفًا به، يمكن تحويله إلى معركة سياسية وقضائية كبرى. وهنا يتجاوز الأمر حدود تصحيح الخطأ أو المطالبة بالاعتذار، ليصبح استخدامًا للمنصّة القضائية كأداة فى الصراع مع الإعلام.

وهنا نصل إلى جوهر الإشكال. نعم، أخطأت بى بى سى فى التقديم التحريرى لمقطع حساس من خطاب سياسى شديد التأثير، وقد أقرت بالخطأ وقدّمت اعتذارًا، بل دفعت ثمنًا داخليًا عبر مساءلة إدارية وتنظيمية. هذا السلوك، فى حد ذاته، يعكس طبيعة المؤسسات الإعلامية العريقة التى تخضع لآليات محاسبة داخلية صارمة.. لكن فى المقابل، يذهب ترامب إلى أقصى مدى ممكن فى توظيف السلطة القضائية فى مواجهة مؤسسة إعلامية، بما يطرح تساؤلات حقيقية حول الحدود الفاصلة بين الدفاع المشروع عن السمعة، وبين إساءة استخدام أدوات السلطة لتحقيق مكاسب سياسية ورمزية.

القضية، فى حقيقتها، ليست نزاعًا قانونيًا فحسب، بل مرآة لمرحلة عالمية تتسم بتصاعد الشعبوية، وتآكل الثقة بين الإعلام والسلطة، وتحويل الأخطاء المهنية، التى كانت تُعالج سابقًا بالتصحيح والاعتذار، إلى معارك وجودية. وهى تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول مستقبل العلاقة بين الإعلام والسلطة، وحدود النقد، ومعنى المسؤولية فى زمن الصدام المفتوح.

على المستوى السياسى، تعكس هذه القضية جانبًا من المشهد الأمريكى المعاصر، حيث أصبحت المواجهة مع الإعلام جزءًا من أدوات التعبئة الشعبية. فترامب يوظف هذا الصدام لتكريس صورة «الزعيم المحاصر» من قبل مؤسسات إعلامية كبرى، ما يعزز مناخًا شعبويًا يرى فى الإعلام طرفًا سياسيًا لا ناقلًا للخبر. هذا المنطق يريح جزءًا من الجمهور الغاضب، لكنه فى الوقت ذاته يضعف أحد أعمدة الديمقراطية، وهو وجود إعلام حر قادر على النقد دون خوف من العقاب السياسى المقنّع.

هل هناك ما يمكن أن يكون استخلاصًا مهماً لنا، كإعلام بشكل عام، ونحن منشغلون، أو هكذا يبدو، بفهم وإصلاح الشأن؟

فلنحاول..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب وبي بي سي 2 حين تتحوّل الأخطاء المهنية إلى وقود للصدام الشعبوي ترامب وبي بي سي 2 حين تتحوّل الأخطاء المهنية إلى وقود للصدام الشعبوي



GMT 14:15 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نهاية حزينة لشارع الحمرا…

GMT 14:03 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو… إيران أولاً ودائماً… لماذا؟

GMT 13:48 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

القلعة الجوفاء: بعدما هدأ غبار الهجوم على إيران

GMT 09:00 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

«الست» أيضاً

GMT 08:59 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تغيير الحدود ومواعيد نتنياهو

GMT 08:58 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

هل «الموديل» الغربي مُقدّس؟

GMT 08:57 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات الهُويَّة وأنثروبولوجيا إسلام الخارج

GMT 08:55 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

لبنان وغزة... إدارة النزاع بدل إنهائه

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 00:48 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحكم بالمؤبد والمشدد على 5 رجال أعمال في تنظيم الإخوان
  مصر اليوم - مصر تحكم بالمؤبد والمشدد على 5 رجال أعمال في تنظيم الإخوان

GMT 03:13 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

النوم الهادئ لا يعتمد على الدماغ فقط بل يبدأ من صحة الأمعاء
  مصر اليوم - النوم الهادئ لا يعتمد على الدماغ فقط بل يبدأ من صحة الأمعاء

GMT 10:26 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

إيمي سمير غانم تكشف سر ابتعادها عن التمثيل
  مصر اليوم - إيمي سمير غانم تكشف سر ابتعادها عن التمثيل
  مصر اليوم - تسلا تواجه انتقادات بعد وفيات ناجمة عن أعطال أبواب السيارات

GMT 17:26 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نانسي بيلوسي تعتبر خطاب ترمب دليلا على عدم أهليته العقلية
  مصر اليوم - نانسي بيلوسي تعتبر خطاب ترمب دليلا على عدم أهليته العقلية

GMT 08:44 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:49 2019 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

نرمين الفقي تكشف عن" فارس أحلامها" للمرة الأولى

GMT 20:54 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

المنتخب ينصح إكرامي بالمشاركة أو الرحيل عن الأهلي

GMT 23:44 2019 الخميس ,08 آب / أغسطس

توتنهام الإنجليزي يخسر من إنتر الإيطالي

GMT 10:58 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

سعر المانجو في مصر اليوم الأربعاء 24-7- 2019

GMT 14:55 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

خواتم خطوبة ستخطف أنفاسك من أول نظرة

GMT 09:53 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

وفاة شقيقة الفنانة أمينة

GMT 23:39 2019 الأحد ,07 تموز / يوليو

الساعات الملونة آخر موضة صيف 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt