توقيت القاهرة المحلي 03:48:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من أجل كيس طحين: حكاية رجل يُودِّع أهله كل يوم

  مصر اليوم -

من أجل كيس طحين حكاية رجل يُودِّع أهله كل يوم

بقلم : عبد اللطيف المناوي

ليس مشهدًا من فيلم مأساوى، ما يحدث فى غزة اليوم هو الواقع الحى، القاسى، الذى يعيشه رجال ونساء وأطفال لا يبحثون عن حياة كريمة أو مستقبل أفضل، بل فقط عن البقاء يومًا آخر على قيد الحياة.

فى هذا الركن الصغير من العالم، حيث تختلط رائحة البارود برائحة الخبز المحترق الذى لم يُخبز، تخرج كل يوم عشرات الأرواح بحثاً عن كيس طحين. مجرد كيس صغير، لا يتعدى وزنه بضعة كيلوجرامات، يكفى ليؤخر الموت عن عائلة بأكملها ليوم أو اثنين.

الرجل الذى ودّع أطفاله فى الصباح، يفعل ذلك لأنه يعرف أن رحلته القصيرة فى المسافة، الطويلة فى الخطر، قد تكون الأخيرة. ينظر فى أعين زوجته، ويطلب منها الدعاء، لا لأنه يبالغ أو يخشى المجهول، بل لأنه يعرف جيدًا ماذا ينتظره على الطريق.

عليه أن يسير لساعات، يقطع الكيلومترات مشيًا على الأقدام، ثم زحفًا على ركبتيه فى مناطق مفتوحة حتى لا تراه طائرات الاحتلال أو قناصته. لا يُمسك بيده سلاحًا، ولا يرفع راية، كل ما لديه هو كيس فارغ يريد أن يملأه بشىء من الطحين. إن حالفه الحظ ولم يُستهدف، يعود متعبًا، ممزق الثياب، حافى القدمين، يحمل الكيس كمن يحمل قلبه فى يده، يضعه على الطاولة أمام أطفاله، فينظرون إليه كمن أنقذهم من الغرق.

المشهد يتكرر كل يوم، عشرات الرجال والنساء يخرجون إلى ما يُسمى مجازاً «نقطة توزيع مساعدات»، وهى فى الواقع ساحة موت مفتوحة. لا توجد ممرات آمنة، ولا تنسيق مع أحد، فقط فوضى وخوف وتكدّس وبنادق موجهة. قصف، رصاص، قنص، ثم صراخ، ودماء، وجثث تُترك فى العراء. كل من ينجو لا يعود كما خرج، بل يعود حاملًا ذاكرة جديدة من الرعب، وأحيانًا يحمل رفيقًا جريحًا أو ميتًا بين ذراعيه.

ما الذى يمكن أن يدفع إنسانًا لتوديع أسرته وكأنه ذاهب إلى ساحة معركة من أجل كيس طحين؟.

الجواب بسيط ومؤلم: الجوع. حين يعجز الأب عن توفير وجبة واحدة لأطفاله، حين تبكى الأم وهى ترى طفلها ينام جائعًا، يصبح الطحين أغلى من الذهب، وأثمن من الحياة نفسها.

الناس فيها لم يعودوا يبحثون عن استقلال أو حل الدولتين أو إنهاء الاحتلال، بل فقط عن لقمة تسد الجوع. الرجل الذى يودّع أطفاله كل صباح، لا يريد سوى أن يعود إليهم بكيس الطحين. لا يريد بطولات، ولا شعارات، بل فقط ما يؤجل الموت ليوم آخر.

فى وجه هذا الواقع القاسى، تبدو كل شعارات «الشرعية الدولية» و«حلول السلام» و«المبادرات الإنسانية» بلا قيمة، ما لم يُرفع الحصار فورًا.

فى غزة، كيس الطحين ليس خبزًا فقط، بل كرامة.

ومن يموت فى سبيله، لا يموت جائعًا فقط، بل شهيدًا وضحية للتقاعس العالمى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من أجل كيس طحين حكاية رجل يُودِّع أهله كل يوم من أجل كيس طحين حكاية رجل يُودِّع أهله كل يوم



GMT 09:29 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 09:25 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 08:59 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 08:15 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 08:12 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

يوم المعارضة في وستمنستر

GMT 08:03 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 07:53 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

GMT 07:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

«هجرة» الصحراء والسماء والبشر عناق أبدي!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 01:22 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

سوريا تعلن اعتقال 5 مشتبه بهم في هجوم تدمر
  مصر اليوم - سوريا تعلن اعتقال 5 مشتبه بهم في هجوم تدمر
  مصر اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 02:20 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

رامي إمام يعلن تفاصيل جديدة عن حياة عادل إمام في الاعتزال
  مصر اليوم - رامي إمام يعلن تفاصيل جديدة عن حياة عادل إمام في الاعتزال

GMT 09:31 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:48 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:44 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:49 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج السرطان الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 10:05 2025 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

رحلة إلى عالم الألوان اكتشف روعة الشفق القطبي في النرويج

GMT 16:32 2021 الجمعة ,07 أيار / مايو

وفاة الموسيقار جمال سلامة

GMT 09:27 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العذراء الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 06:24 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 10:38 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

سعر اليورو في مصر اليوم الإثنين 28 كانون أول/ديسمبر 2020

GMT 14:38 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

مي علام تؤكد درة أفضل إطلالة في مهرجان الجونة

GMT 03:07 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

طريقة تحضير كفتة اللحم بالصلصة

GMT 23:41 2021 الأحد ,27 حزيران / يونيو

أسس مزج الخامات والمواد الفخمة في الديكور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt