توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أميركا بين «خيال المآتة» و«الأسد الجريح»

  مصر اليوم -

أميركا بين «خيال المآتة» و«الأسد الجريح»

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

المناظرة الرئاسية الأميركية الأولى بين «بايدن» و«ترمب» كانت بحقٍ حديث العالم وشاغلة الناس، لمكانة أميركا بوصفها أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، ولسبب آخر جديرٍ بالملاحظة، وهو أنها المرة الأولى في التاريخ التي يظهر فيها أحد طرفي المناظرة وكأنه «خيال المآتة» أو «فزّاعة» الطيور، فهو شبه جامدٍ ومتلعثم ومتردد وواجمٌ في بعض الأحيان، وهو ما جعل قيادات مهمة في الحزب الديمقراطي تصف المناظرة بـ«الكارثة» وتسعى لإيجاد بديلٍ عن «بايدن» حتى لا يخسر الحزب قواعده الشعبية، فضلاً عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني).

طروحات الحزب الديمقراطي أكثر تماسكاً وقوةً مما مثله «بايدن» في المناظرة، ولو كان لدى الديمقراطيين شخصٌ مثل «أوباما» لاختلفت نتيجة المناظرة، والسؤال المهم ليس عن مستقبل أميركا، بل هو كيف استطاع شخصٌ بهذه القدرات أن يكون رئيس أميركا لأربع سنوات؟ وكيف أن الصراع غير المسبوق داخل أميركا قد دفعها باتجاه انتخاب شخصٍ غير قادرٍ فعلياً على القيادة؟ مع الاعتراف الكامل بتاريخ «بايدن» السياسي الطويل والجدير بالاحترام.

في المقابل، كان ترمب في المناظرة حاضر الذهن حاد التركيز يتحكم في وقته المخصص له بين عرض أفكاره والرد على خصمه أو طروحات خصومه، ويحوّر الأسئلة لما يريد أن يقوله بذكاء، ويجول في معارك الفكر والسياسة كالأسد الجريح، وبغض النظر عن الاتفاق مع ترمب من عدمه، فإن الواضح والجليّ في المناظرة أنه انتصر انتصاراً لا يجادل فيه أحدٌ، وترك قادة الحزب الديمقراطي في ريبةٍ وارتباكٍ وتشتتٍ بين الاستمرار في دعم الرئيس الحالي «بايدن»، والتفتيش في مدة قصيرة جداً عن بديلٍ له يكون قادراً على مواجهة «ترمب» في الانتخابات القادمة.

ثمة أمرٌ جديرٌ بالملاحظة، وهو أن «ديمقراطيي» العرب في بلداننا أو داعمي «الحزب الديمقراطي» الأميركي من العرب، ملوثون فكرياً وثقافياً وسياسياً، وهم منتشرون في الإعلام والثقافة وأكثر في «السوشيال ميديا»، ويشكلون ظاهرة جديرة بالدرس، بينما لا يوجد لدينا مؤيدون حقيقيون لـ«الحزب الجمهوري» الأميركي إلا حالات شاذة لا تشكل ظاهرة بالمعنى السياسي والاجتماعي.

هذه المناظرة غير المتكافئة كشفت عن كثير من المذيعين والصحافيين في وسائل الإعلام العربية المحترمة، وأنهم مندفعون خلف طروحات «اليسار الليبرالي» الأميركي بحماسة تثير الاستغراب، فبعضهم عاجزٌ عن رؤية ضعف «بايدن» الذي أقر به قادة الحزب الديمقراطي وأقرت به كبرى وسائل الإعلام الأميركية المنحازة للديمقراطيين، وهم سيعيدون التموضع في المستقبل القريب حتى لا يكون انحيازهم مكشوفاً.

في تغطية الانتخابات الأميركية دائماً ما تطرح وسائل الإعلام العربية تساؤلاً تقلبه في صيغٍ متعددةٍ؛ مفاده: ما موقف المرشحين للرئاسة أو الحزبين الأميركيين من «القضايا العربية»؟ وهو تساؤلٌ مخادع، لأنه يفترض أن ثمة «قضايا» عربية وأن الموقف منها «موحدٌ» عند جميع العرب، وهذا افتراضٌ غير واقعي وينتمي للأحلام أو الأوهام لا للواقع السياسي القائم.

لا يوجد ما يمكن تسميته «القضايا العربية» في السياسة الخارجية الأميركية، فالحقيقة أن العرب مختلفون تجاه غالبية تلك القضايا، ولهذا فالجامعة العربية في الأصل مؤسسة فاشلة منذ إنشائها، لأنها بنيت على توحيد المواقف وهذا مستحيل، في ظل دول وشعوب مختلفة المصالح والتوجهات، ولئن كانت القضية الفلسطينية مثالاً للإجماع العربي - على اختلافات معروفة تجاهها - فإن التباين فيما عداها هو الغالب. وأوضح الأمثلة على ذلك الموقف مما جرى فيما كان يسمى زوراً «الربيع العربي»، وهو ربيع الفوضى والإرهاب، أو الموقف مما يسمى زوراً «محور المقاومة»، وهو لا يعدو أن يكون غطاء للتوسع الإيراني في الدول العربية.

على مستوى الدول ثمة «إجماع عربي» على «المبادرة العربية للسلام» مع إسرائيل، ولكن على مستوى الجماعات والآيديولوجيات والتنظيمات والميليشيات المنتمية لـ«المحور الإيراني» فثمة رفضٌ لهذا الإجماع العربي، وهذا الرفض يتجلى في كثيرٍ من وسائل الإعلام والطروحات السياسية وله صوتٌ عالٍ وضجيجٌ قادرٌ على التشويش دائماً على الحلول العقلانية والواقعية، وما الموقف تجاه الحرب الإسرائيلية الظالمة تجاه غزة إلا مجرد مثال، حيث قامت سوق المزايدات الفارغة والشعارات الجوفاء من بعض الكتاب والمثقفين العرب، الذين صمتوا صمت القبور بعدما تجلت كل هذه الفظائع التي خدشت الشعور الإنساني بأكمله.

الحزب الجمهوري حزبٌ يمينيٌ محافظ، والحزب الديمقراطي حزب «ليبرالي» سيطر عليه في السنوات الأخيرة «اليسار الليبرالي» بقيادة «أوباما» الذي يعد «بايدن» امتداداً لطروحاته، واليسار الليبرالي تغوّل وتضخّم في الدول الغربية في العقود الأخيرة وهو ما استدعى بمنطق التاريخ أن يتحرك اليمين، وهو ما يجري في غالب الدول الأوروبية التي تشهد حالياً صعوداً لافتاً لتيارات اليمين وأحزابه ورموزه.

أخيراً، فانتخابات أميركا للأميركيين، وما يهمنا منها هو مصالح دولنا واستقرارها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا بين «خيال المآتة» و«الأسد الجريح» أميركا بين «خيال المآتة» و«الأسد الجريح»



GMT 10:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 10:22 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 10:20 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 10:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 10:12 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مشكلتنا مع «الإخوان» أكبر من مشكلات الغربيين!

GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt