توقيت القاهرة المحلي 10:04:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان والحزب والمأزق

  مصر اليوم -

لبنان والحزب والمأزق

بقلم:غسان شربل

لبنيامين نتنياهو أسلوبه في التعامل مع من يعتبرهم أعداء لإسرائيل. اضطراره إلى قبول اتفاق لوقف النار لا يعني بالنسبة إليه تجميد ما يعتبره الحق في قتلهم. ينتهك وقف النار ويتهم الأعداء بالإقدام على ذلك. يقدم عملياته العدوانية بوصفها رداً على انتهاكات الجانب الآخر. هذا ما يحدث في غزة وما يحدث في لبنان. الأولوية المطلقة لديه هي «استكمال المهمة» أي شطب مراكز الخطر.

من تابع تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لا يستغرب ما فعلته إسرائيل البارحة وقبل ذلك. قال هؤلاء إن إسرائيل لن تنتظر بعد اليوم استفحال الأخطار داخل حدود الدول المجاورة لتتصدى لها. أوضحوا أن الدولة العبرية ستبادر إلى محاربة الأخطار الوليدة في مهدها. وتصرفت إسرائيل على أساس أنها وحدها القادرة على تقدير طبيعة الأخطار وحجمها. يضاف إلى ذلك أن نتنياهو وكبار مساعديه شددوا على أنهم لا يبحثون عن هدنات، بل عن حسم الحرب وضمان عدم العودة إليها. وهذا يعني نزع سلاح «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان، وهو ما لم يحدث.

يعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن هجوم السابع من أكتوبر أعطاهم تفويضاً بالذهاب في الحرب إلى آخرها؛ أي حسمها. لا يريدون العودة إلى الحرب مع «حماس» بعد سنة أو أكثر، والأمر نفسه بالنسبة إلى «حزب الله».

لم يكن الاعتداء الذي استهدف الضاحية الجنوبية من بيروت أمس مفاجئاً. كانت الأنباء تتحدث عن أن إسرائيل تستعد لتصعيد ضغوطها العسكرية على الحزب ولبنان. اعتبرت إسرائيل محاولات «حزب الله» إعادة بناء قدراته انتهاكاً لوقف الأعمال العدائية وترميماً لمصدر الخطر الذي يشكله الحزب في نظرها. وحين تحدث مسؤول أميركي قبل يومين عن معلومات عن عودة الحزب إلى تعزيز قدراته، بدا واضحاً أن التصعيد الإسرائيلي وشيك.

منذ أسابيع عادت رائحة الحرب إلى الهبوب في لبنان. لم تستطِع السلطات اللبنانية إقناع الجانب الأميركي بأنها بذلت كل ما في استطاعتها لتنفيذ قرار «حصر السلاح» في أيدي القوى الشرعية. في موازاة ذلك، كان أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم، واضحاً وصريحاً في أن الحزب ليس في وارد تسليم سلاحه. قال أيضاً إن أي بحث في مستقبل السلاح يجب أن يسبقه انسحاب إسرائيل الكامل من أراضي لبنان وإعادة ما لديها من الأسرى، وأن يكون البحث لبنانياً خالصاً وغير مربوط بأي اشتراطات خارجية. وهكذا لم يستطِع لبنان أن يوفر لنفسه مظلة أميركية تلجم الاعتداءات الإسرائيلية.

ترافق الكلام عن التصعيد الإسرائيلي المحتمل ضد لبنان مع كلام مزداد عن استعداد إسرائيل وإيران للدخول في جولة مواجهة جديدة بينهما. توعدت طهران بإنزال دمار أكبر بإسرائيل في حال تجدد المواجهة. وهددت إسرائيل بضربات أكثر إيلاماً من تلك التي تلقتها إيران في الجولة السابقة.

لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية في الشهور الماضية. وضعت إسرائيل لهجماتها عنواناً عريضاً وهو منع «حزب الله» من إعادة بناء قدراته. لكن غارة أمس اعتبرت أخطر من كل ما سبقها منذ اتفاق وقف العمليات العدائية. خطورتها تبدأ من إعادة الهجمات إلى الضاحية الجنوبية من بيروت. والضاحية معقل الحزب الذي شهد خلال الحرب مقتل أمينين عامين وكبار القادة العسكريين، بمن فيهم رئيس الأركان السابق فؤاد شكر.

ثم إن هجوم البارحة استهدف هيثم الطبطبائي «المعاون الجهادي» للأمين العام، أي رئيس أركان «حزب الله». وهذا يعني استهداف «الرجل الثاني» في الحزب واسمه مدرج على لائحة المطلوبين إسرائيلياً وأميركياً. ففي الفترة الماضية، تعدت أدوار الطبطبائي الساحة اللبنانية إلى الساحتين اليمنية والسورية.

يضع الهجوم الإسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية «حزب الله» في موقف شديد الصعوبة. عدم الرد على هجوم بهذا الحجم، سيعزز الانطباع أن ميزان القوى الجديد يمنعه من خوض حرب مع إسرائيل، خصوصاً بعدما خسر العمق السوري وممر الصواريخ الإيرانية، واتضح حجم الفجوة التكنولوجية والاختراقات. كما سيعزز انطباع بعض خصومه أن سلاح الحزب بات نقطة ضعف للبنان لا نقطة قوة كما يردد.

قيامه بالرد قد يوقعه في فخ الانزلاق إلى مواجهة تسعى إليها إسرائيل قبل أن يستكمل إعادة بناء قدراته. وهناك السؤال عما تستطيع إيران تقديمه إذا اندلعت الحرب، وما إذا كانت مستعدة للمشاركة فيها. طبعاً مع التساؤل عما إذا كانت إسرائيل تعتبر توجيه ضربة قاصمة للحزب ضرورياً قبل أي جولة مواجهة جديدة مع إيران. هذا إضافة إلى معرفة الحزب أن أكثرية اللبنانيين تعارض العودة إلى الحرب.

ثمة من يعتقد أن طهران ممر إلزامي للبحث في مستقبل ترسانة «حزب الله». لكن؛ كيف يمكن مناقشة ترسانة الحزب مع إيران العالقة في خلاف مع الغرب حول ترسانتها نفسها؟ الأكيد أن الحل الحقيقي في لبنان مرهون بعودة الدولة اللبنانية إلى امتلاك قرار الحرب والسلم بلا شريك، لكن لا ظروف الحزب تبدو ناضجة ولا ظروف طهران، لهذا يبدو «حزب الله» في مأزق. قرار المواجهة قد يعمق خسائره. قرار السكوت على استهداف الطبطبائي سيضاعف مطالبته بقراءة التحولات الكبرى التي حدثت في المنطقة والخروج من دوره العسكري.

الدولة اللبنانية هي الأخرى في مأزق. لا تستطيع التصدي للهجمات الإسرائيلية. لا تستطيع أيضاً الوفاء بالشروط التي وضعتها إدارة ترمب لحماية لبنان؛ وأولها «حصر السلاح». لا يستطيع لبنان العيش طويلاً في ظل رائحة الحرب. حالته مؤلمة وانقساماته عميقة، وقد بدأ العالم يتعب فعلاً من مريض مصاب بنقص القرار ونقص المناعة. مريض لا يستطيع التعافي بقواه ولا يوافق على تجرع العلاجات الدولية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والحزب والمأزق لبنان والحزب والمأزق



GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt