توقيت القاهرة المحلي 13:32:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بغداد والشرع وظلُّ ترمب

  مصر اليوم -

بغداد والشرع وظلُّ ترمب

بقلم:غسان شربل

لبغداد قدرةٌ غيرُ عادية على دفع الزائرِ إلى فتح دفاتر الماضي وأوجاعه. تتضاعف القدرةُ حين يختار الأصدقاء أن يكونَ العشاء على ضفة دجلةَ ثم تكتشف لدى وصولك أن المنتجعَ الحالي حلّ ضيفاً على ما كان واحداً من قصور حقبة صدام حسين.

لازمني شعورٌ بأنَّ الناسَ كما العهود والأفكار ركاب في قطار الوقت يعبرون كما تعبر مياه النهر محكومة بالاختناق عند المصب. والفارق بين العابرين هو الوجهة التي يسافر إليها والبصمات التي يتركها. حراس الماضي يسافرون إليه ويغرقون فيه. ورجال المستقبل يكافحون لإزالة الركام والنجاة من زنزانات الخوف أو القوالب. هذا الحديث طويل. لنترك الماضي يمضي وننتقل إلى الحاضر.

احتضنت بغدادُ القمة الرابعةَ والثلاثين لجامعة الدول العربية وكأنَّها ترغب في إيفاد رسائل عدة. أولى الرسائل أنَّ بغداد مستقرة وآمنة وقادرة على احتضان حدث بهذا الحجم من دون تدابير أمنية منهكة لبعض المدينة وبعض سكانها. والثانية أنَّ بغداد تدرك أهمية العمل العربي المشترك وفرص تفعيله وأنَّها صاحبة مصلحة في تسارع وتائر رحلة القطار العربي في التعاون والتبادل والتشاور. والرسالة الثالثة أنَّ بغداد ملتزمة ما اصطلح على تسميته الثوابتَ العربية سواء في ما يتعلق بحل الدولتين أو البحث عن حلول عبر التفاوض لتضميد جروح الخرائط العربية المتصدعة.

يعرف الصحافيون بحكم التجربة أنَّ المناقشات التي تدور على هامش القمة لا تقل أهمية أحياناً عن الكلام الذي يقال داخلها، خصوصاً أنَّ أروقة المؤتمر والفنادق تحرر المتحدثين من القيود الرسمية.

كان باستطاعة الصحافي الزائر أن يلاحظَ أن موضوعين هيمنَا على مناخات القمة وما حولها انطلاقاً من الاعتقاد أنَّهما سيتركان بصماتها على التطورات في المرحلة المقبلة. التطور الأول يتعلَّق بسوريا بعد مصافحة دونالد ترمب وأحمد الشرع في الرياض وقرار الإدارة الأميركية الحالية رفع العقوبات عن سوريا تلبية لطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

لاحظ كثيرون أنَّ الشرع «حصل على جرعة استثنائية من الدعم العربي والدولي، ما يُبقي دول الجوار أمام خيار وحيد هو التطبيع مع سوريا الشرع والتعاون معها».

راودتني رغبة في معرفة صورة الشرع لدى عدد من الذين التقوه من بلدان عدة. ورجعت من الأسئلة بالآتي:

- الشرع رجل براغماتي يدرك جيداً على أي أرض يقف ويدرك تعقيدات الجغرافيا السورية وذيول علاقاتها الصعبة مع جيرانها.

- يحاول تبديد أي شكوك حول إمكان أن يغرف من تجاربه السابقة لانتهاج سياسة متشددة. ثمة من سمعه يردد علانية وفي اللقاءات المقفلة أنَّ سوريا لن تكون مصدر قلق لأي من جيرانها. واستنتج الزوار أنَّ إسرائيل مشمولة بهذا الكلام.

- ثمة من سمعه يقول إنَّ مواجهة إسرائيل بالطرق التقليدية قادت إلى الكوارث التي نراها. الخيار الوحيد أمام سوريا هو أن تصون وحدتها واستقرارها وتبني اقتصادها وتسترجع المهجرين ثم تستثمر علاقاتها العربية والدولية للضغط الدبلوماسي على إسرائيل. وهذا يعني ببساطة الخروج من النزاع العسكري مع إسرائيل، وهذا ليس بسيطاً بالنسبة إلى من يمسك بمفاتيح دمشق.

- لمس الزائرون أنَّ إيران و«حزب الله» يتصدران لائحة خصوم الشرع، في حين يعتبر أن بقاء القواعد الروسية يتوافق ومصلحة سوريا.

- يتفق كثيرون على أنَّ التحدي الأكبر أمام وفاء الشرع بالوعود التي قطعها للإدارة الأميركية هو طبيعة القوى التي عملت معه إلى موعد إطاحة نظام بشار الأسد ولكونه يشير إلى نهاية زمن الفصائل.

- لاحظ مشاركون أنَّ الدور الذي لعبه الأمير محمد بن سلمان في إحداث تحول سريع في موقف ترمب من الشرع هو إشارة إلى ازدياد الثقل السعودي لدى واشنطن، فضلاً عن احتفاظ الرياض بعلاقات ممتازة مع الصين وروسيا وأوروبا.

- توقع مشاركون أن يلعب الثقل السعودي دوراً كبيراً في إطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة.

تطور آخر يعني العراق ودول المنطقة، وهو ظلّ ترمب الذي خيّم على المنطقة بعد زيارته الخليجية الأخيرة ومحطتها الاستثنائية في الرياض.

قال عدد من المشاركين إنَّ زيارة ترمب طوت صفحة الحديث القديم عن أن أميركا تعبت من الشرق الأوسط وتريد الاستقالة من أي مسؤولية تجاه مستقبله. أعادت زيارة ترمب التأكيد على أنَّ الحديث عن عالم متعدد الأقطاب لا يزال مبكراً، ذلك أنَّ الأرجحية لا تزال محسومة للهالة الأميركية في العسكرية والاقتصاد، وأنَّ المعبر الأميركي إلزامي لمن يبحث عن حلول للأزمات المستعصية، من غزة إلى النووي الإيراني.

ويلمحون إلى أنَّ ظلّ ترمب أرخى بثقله على الملفات الشائكة من أوكرانيا إلى غزة ومعها النووي الإيراني. وتسمع في بغداد أنَّ التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران مرجح لأنَّ عواقب الانزلاق إلى مواجهة ستكون باهظة التكاليف للمنطقة وللاقتصاد العالمي وستضع العراق في وضع شديد الصعوبة.

وهناك من يعتقد أنَّ طهران تدرك بلا شك أنَّ ملامح جزء من المنطقة قد تغيرت، وتحديداً في الجزء الذي نشط فيه الجنرال قاسم سليماني واستثمر فيه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. ويلمح هؤلاء إلى أنَّ إيران بدأت في حلقات ضيقة عملية مراجعة لتجربة العقود السابقة لأنَّ ما يجري يتناول أمنها وحجم دورها وحضورها في الإقليم.

ولا ينكر بعض المشاركين أنَّ إسرائيل خرجت من حروب ما بعد «طوفان الأقصى» وهي «أقوى بكثير مما كانت عليه قبله»، وأنَّ ترمب «هو الوحيد القادر على ضبط سلوكها العدواني أو تخفيفه».

تقرأ بغداد في تجربة الشرع وتحاول استكشاف توجهات ظل ترمب خصوصاً على إيران وخياراتها. انشغال بغداد بهذه الملفات لا يلهيها عن الانغماس قريباً في مناخات الانتخابات النيابية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي الطريق إلى الانتخابات سؤال عن ظل مقتدى الصدر على الانتخابات إن شارك فيها وبوادر معركة قاسية داخل «الإطار التنسيقي» وتطلع نوري المالكي إلى حرمان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من الفوز بولاية جديدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بغداد والشرع وظلُّ ترمب بغداد والشرع وظلُّ ترمب



GMT 13:32 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

على هامش «الدهشة»!

GMT 13:26 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح.. عندما تصبح الأزمة امتحانًا للوفاء

GMT 13:23 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

أصول المسألة الفكرية

GMT 13:20 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

نعم..التعليم.. التعليم !

GMT 13:18 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

كينز .. وفريدمان

GMT 13:14 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

النحاس باشا فى قسم الشرطة

GMT 01:59 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

بريشته وتوقيعه

GMT 01:56 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

قرارات بشار الغريبة

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 14:44 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

بريجيت ماكرون تلتقي الباندا "يوان منغ" من جديد في الصين
  مصر اليوم - بريجيت ماكرون تلتقي الباندا يوان منغ من جديد في الصين

GMT 11:06 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 16:54 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تلامذة غزة يستأنفون الدراسة تحت الخيام وسط الدمار

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثاني ومن المهم أن تضاعف تركيزك

GMT 10:48 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:39 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 03:34 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

استقرار سعر الذهب في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 05:48 2013 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

كيلي بروك ترتدي ملابس ماري أنطوانيت

GMT 04:24 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أخبار البورصة المصرية اليوم الإثنين 4 أكتوبر 2021

GMT 15:13 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال يضرب سواحل إندونيسيا وتحذيرات من وقوع تسونامي

GMT 19:42 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

أربع محطات فنية في حياة مخرج الروائع علي بدرخان

GMT 13:07 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

فضل الله والماشطة يوضحان موقف عبدالله السعيد

GMT 06:20 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

مؤسس "غوغل" يكشف عن سيارة طائرة بنظام "أوبر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt