توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق والأفخاخ والأدوار

  مصر اليوم -

العراق والأفخاخ والأدوار

بقلم:غسان شربل

تشعر بغدادُ بالارتياح لأنَّها «تحاشت الوقوع في أكثر من فخ». غداة انطلاق «طوفان الأقصى» في غزةَ و«جبهة الإسناد» في لبنان، راودت فصائلَ عراقيةً أحلامُ توسيع دائرة النار. لكن مزيجاً من النَّصائح الداخلية والتحذيرات الخارجية أبعدَ عن شفتي العراق كأسَ الانزلاق إلى الدوامة. كانت التهديدات الإسرائيلية صريحةً وكان لا بدَّ من التدخل الأميركي لمنع تنفيذها في مقابل «كبح حماسة بعض الفصائل».

نجت بغداد من فخ آخر. لم يخطر ببال بعضِ الفصائل العراقية أنَّ نظام بشار الأسد يمكن أن يتبخَّرَ فجأة وأن تصبحَ طريقُ طهران - بغداد - دمشق - بيروت محظورةً ومجردَ ذكرى من الماضي. وفوجئت هذه الفصائل بإطلالة أحمدَ الشرع من القصر الذي كان يجلس فيه الأسد. راودت فصائلَ محدودة أفكارُ الاستعداد لقلب الأمور ثم تبين أنَّ القصة أكبر وأخطر وأنَّ إيران تحتاج على الأقل لوقت لالتقاط الأنفاس. هكذا رأى العراق الأمور تتغير من حوله.

تدير بغداد علاقاتها الحالية مع طهران وواشنطن «بأكبر قدر ممكن من التوازن. أميركا هي أميركا ونحن نحتاج إليها في أمور كثيرة. وإيران جار تربطنا به علاقات ومصالح وروابط. والحقيقة أنَّ واشنطن أكثر واقعية من السابق. وأنَّ طهران قاآني أقل تطلباً من طهران سليماني. هامش الحركة العراقية أكبر من الماضي. المهم أن لا تحدث مواجهة عسكرية لأنَّها ستكون بمثابة الفخ الكبير للعراق والمنطقة».

في الحوارات التي تجري في بغدادَ هذه الأيام جنوحٌ نحو الواقعية فرضته دروسُ الفترة العاصفة الماضية. يمكن الحديث عن نقاط مشتركة تتكرر في الحوارات:

- اللاعب الأول في هذا الجزء من العالم كان ولا يزال اللاعب الأميركي. نحن نحب امتداح الأدوار الروسية والصينية والأوروبية لكنَّها في جزء منها وليدة تمنيات أكثر مما هي ترجمة لحقائق. القوات الروسية التي تدخلت في العقد الماضي لإنقاذ نظام بشار الأسد لم تتدخل للدفاع عنه ولم تتعهد حتى بدعمه. روسيا التي تربطها علاقات استراتيجية بإيران لم تستطع منعَ الطائرات الإسرائيلية من تدمير مواقع «الحرس الثوري» في سوريا وإرغام النفوذ الإيراني على المغادرة. تضاعف حضور اللاعب الأميركي مع وصول دونالد ترمب بفعل أسلوبه وبسبب تحول كبير في المنطقة تمثل في سقوط نظام الأسد.

- الحقيقة الثانية هي إصابة اللاعب الإيراني في الإقليم بانتكاسة كبرى. قبل سنوات قليلة ساد الاعتقاد أنَّ اللاعب الإيراني هو الأول على الأرض ولا يمكن وقفه. وأنَّه سجل اختراقات ومكاسب ثابتة ويتطلع إلى ترسيخ جذوره في خرائط إضافية. وكان من الصعب تصور سوريا خارج الفلك الإيراني وتصور طهران مضطرة إلى التعامل مع مطار بيروت وفق القواعد الدولية لا بصفة بيروت واحدة من العواصم الأربع التي تدور في الفلك الإيراني. إصابة اللاعب الإيراني ليست بسيطة على الإطلاق. فمحور الممانعة الذي سقط بسقوط حلقته السورية ولد بفعل جهود طويلة وتكاليف هائلة.

- الحقيقة الثالثة هي أنَّ إيران خسرت أيضاً في لبنان الذي كان الساحة الأولى لتوسع نفوذها في الإقليم. انتهت الحرب الأخيرة خلافاً لما كان يتمنى «حزب الله» الذي اختار فتح «جبهة الإسناد» غداة انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. خسر الحزب زعيمَه التاريخي حسن نصر الله وخسر كبار قادته. وثمة من يقول إنَّه خسر القدرة على خوض حرب ضد إسرائيل بعدما خسر العمق السوري.

- الحقيقة الرابعة هي أنَّ إسرائيل التي نحاول منذ عقود تفادي ذكر اسمها أو القبول بها فرضت نفسها لاعباً إقليمياً خطراً. إسرائيل المسلحة بالتكنولوجيا الأميركية قوة هائلة قادرة على التدخل في أراضي جيرانها المباشرين وتوجيه ضربات في مناطق أبعد. إنَّها دولة عدوانية ودولة احتلال لكنَّها واقع لم يعد ممكناً تجاهله.

- الحقيقة الخامسة هي أنَّ التحول السوري جاء أبعد وأعمق مما تصوره الكثيرون. واضح أنَّ سوريا الشرع اختارت الخروج من الشق العسكري في النزاع مع إسرائيل وهذا تطور هو الأول من نوعه منذ عقود. التفاهمات التركية - الإسرائيلية الأخيرة بشأن سوريا تحكم إقفال الساحة السورية في وجه إيران والحزب.

- الحقيقة السادسة هي تقدم الدور السعودي إلى موقع المبادرة الإقليمية والدولية وعلى قاعدة الاستثمار في الاستقرار استناداً إلى مبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول والابتعاد عن سيادة تصدير النار إلى الجيران أو العالم.

يمكن القول إنَّ معظم اللاعبين الذين انخرطوا في حروب ما بعد «الطوفان» أصيبوا بجروح كثيرة وسيرجعون من هذه الحروب بخيبات كثيرة. لا مجال لإنكار أنَّ إسرائيل نجحت بقوتها التدميرية في تغيير المشهد، خصوصاً عبر الحلقة السورية، لكنَّها لن تستطيع الفرار من استحقاق حل الدولتين الذي يزداد حضوراً على الساحة الدولية. «حماس» التي أطلقت شرارة «الطوفان» سترجع بما هو أقسى من الخيبة. ستخسر وجودَها المسلح في غزة وهي حالياً ليست موضع ترحيب، لا في بيروت ولا دمشق ولا عمان. وهذا يعني أنَّها تواجه خطر «التقاعد» الإلزامي إلا إذا صعدت إلى القطار.

تراقب بغداد ما يدور حولها. المفاوضات النووية الأميركية - الإيرانية ملف حيوي بالنسبة لها. رسوخ وضع حكم الشرع في سوريا تطور مهم لا بدَّ من أخذه في الحسبان. إذا تابعت دمشق شهر العسل مع واشنطن فإنَّها مرشحة لدور أكبر ومكاسب أكبر.

تقرأ بغداد ملامح منطقة تتغيَّر تحت وطأة الحروب وإصابات اللاعبين وخيبات العائدين من المعارك. لا بدَّ من الانتظار قليلاً لإدراك حجم التغيير الذي طرأ على أدوار دول الجوار، والذي لا يمكن إلا أن يتركَ تأثيره على العراق نفسِه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق والأفخاخ والأدوار العراق والأفخاخ والأدوار



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt