معتز بالله عبد الفتاح
«السياسة فى جزء منها كلعبة القمار، الرهانات مهولة، واحتمالات الخطأ واردة». هذه عبارة قالها الرئيس الأمريكى جونسون وهو يعبر عن ضيقه من خسارة الولايات المتحدة رهانها على فيتنام الجنوبية فى حربها مع فيتنام الشمالية.
الساحة السياسية الأمريكية تمر بلحظة «سيطرة على الخسائر» (Damage control) بعد أن راهنت على الإخوان باعتبارهم نموذجاً لـ«الإسلام المعتدل». ولتوضيح رهان أمريكا الخاسر على الإخوان لا بد أن نعود خطوتين إلى الوراء.
أولاً: بعد أحداث البرجين فى 2011، فشل المحافظون الجدد فى تحقيق «الأمن عن طريق الغزو» وهى الصيغة التى تبنتها إدارة بوش على مدى ثمانى سنوات بغزو كل من أفغانستان والعراق، وشن حرب على الإرهاب فى كل بقاع العالم، وعدد من الباحثين النشطين الذين حاولوا تقديم رؤية استراتيجية قائمة على أن الإسلاميين ليسوا سواء: «هناك إسلاميون معتدلون يمكن أن نعمل معهم بيزنس، وهناك إسلاميون متطرفون مكانهم الطبيعى إما السجن أو القبر». وأن أفضل من يمكن أن يقمع المتطرف هو المعتدل، وأن الديمقراطية لها تأثير اعتدالى يجعل المتطرف أكثر تسامحاً ورغبة فى البحث عن حلول وسط مع خصومه داخلياً وخارجياً؛ ومن هنا افترض الأمريكان ما افترضه الكثير من الباحثين حَسَنى النية من العرب والمسلمين بأن الإخوان يمكن أن يكونوا «الوكيل المحلى المعتمد دولياً» لتحقيق المصالحة بين الإسلام (كهوية) والديمقراطية (كنظام حكم) والتحالف الاستراتيجى مع الغرب (كشبكة مصالح دولية).
ثانياً: هناك «عُقدة إيران» و«عُقدة شيلى» و«عُقدة الفلبين».. هذه العُقد الثلاث أصبحت علامات فاصلة فى تاريخ الدبلوماسية الأمريكية؛ حيث تحول التدخل الأمريكى على عكس إرادة الناخبين فيها إلى رد فعلى عكسى ولَّد عداءً دامَ عقوداً لما نمَّ عنه من احتقار الإدارة الأمريكية لإرادة شعوب هذه الدول. لذا فأوباما قرر ألا يكون نيكسون الذى فقد شيلى، أو كارتر الذى فقد إيران، أو ريجان الذى فقد الفلبين، بأن اختاروا أن يكونوا على الجانب الخاطئ من التاريخ، وفقاً للتعبير الأمريكى. ومن هنا تحولت المعادلة التى كانت تتبناها الولايات المتحدة فى عهود ما قبل أوباما والتى كانت تدعم أى نظام عربى يحقق هذه الخماسية:
To Keep Americans in، oil on، Iranians out، Islamists downs، Israelis up وحين خرجت تفاهمات «الشاطر - ماكين» لتؤكد نفس المعنى تحولت السياسة الخارجية الأمريكية فى اتجاه دعم الإخوان كشركاء جدد فى المنطقة. وهو ما رصدته أجهزة أمنية عليا فى مصر، ولهذا كان السبب فى أن الفريق عبدالفتاح السيسى قالها صراحة، إنه «لم ينسق» مع أحد خارجياً فى قراره فى الثالث من يوليو، لأنه يعلم أن علاقات التحالف بين الإخوان والغرب قد وصلت نقطة لا يمكن معها أن يقبل الغرب بخلعهم من السلطة.
ثالثاً: البراجماتية الغربية المعهودة قادت الغرب لأن يفكر بمنطق أن رقم اثنين يحل محل رقم واحد حال غياب هذا الأخير. الفريق الأول فى الدورى السياسى المصرى والعربى (الحكم العسكرتارى الاستبدادى) لآخر عدة عقود غاب عن الساحة بسبب الثورات والانتفاضات العربية، فمن المنطقى أن يحل محله الثانى. وهو ما يفهمه الأمريكيون جيداً. الإخوان فازوا فى كل الانتخابات التى دخلوها منذ اندلاع الثورة سواء كانت الاستفتاء أو انتخابات مجلسى الشعب والشورى أو الرئاسة. إذن فوز الإخوان بالانتخابات، من وجهة النظر الأمريكية، من حقائق مصر ما بعد الثورة، وبالتالى الرهان عليهم أفضل من الرهان على غيرهم، لا سيما إن التزموا بما تعهدوا به. ولكن يكتشف الأمريكيون الآن أن الفوز فى الانتخابات شىء والنجاح فى الحكم شىء آخر. وهو المطب الذى وقع فيه الإخوان.
قلت فى يوليو الماضى: «سيحمرّ وجه البيت الأبيض قليلاً، ثم سيهدأون ويبدأون فى البحث عن طريقة جديدة للتعامل معنا». وها هم يفعلون. والدليل تصريحات أعضاء الكونجرس الذين وصلوا إلى القاهرة من يومين.
نقلاً عن "الوطن"