توقيت القاهرة المحلي 17:14:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وظائف منقرضة

  مصر اليوم -

وظائف منقرضة

أسامة غريب

اختراع الآلات وفَّر مجهود الإنسان وأراحه من المهام الشاقة، لكنه من جهة أخرى دفع بأعداد كبيرة من العمال إلى طوابير البطالة بعدما صارت الآلة تؤدى بسهولة ودقة ما كان يؤديه عشرات الأفراد. وكلما أوغل الإنسان فى التقدم على طريق المنجزات والمخترعات زاد الاستغناء عن العنصر البشرى، حتى إنه يقال إن بعض المصانع فى اليابان تدار بما لا يزيد على عشرة عاملين. ولا يقتصر الأمر على عمال المصانع فقط، لكنْ هناك مهن أخرى حلَّت الآلة فيها محل الإنسان، ومن ضمنها وظيفة شرطى المرور التى لم يعد لها وجود فى معظم البلدان بعد أن ظهر اختراع الإشارات الضوئية التى تحدد للسائق متى يسير ومتى يتوقف. غير أن هناك مَن لا يزالون يصرون على تجاهل هذا الاختراع الذى يزيد عمره على مئة عام، والدفع بالمزيد من الرجال للقيام بدور يمكن لعامود من الأنوار الملونة أن يؤديه بكفاءة ورشد. والغريب أنهم لا يكتفون بتعذيب العساكر والأفراد من ذوى الرتب البسيطة فقط، لكننا نجد ضباطًا من النوع المفتخر يحملون على أكتافهم نجومًا وطيورًا جارحة يقفون فى عز حر الصيف وبرد الشتاء لتنظيم المرور بدلًا من الإشارة الضوئية، والغريب أن الواحد منهم عندما يعود إلى منزله محطمًا آخر النهار، يتصور أنه كان فى مهمة قومية لخدمة الوطن! كما أن هناك وظيفة أخرى اندثرت من زمان فى بلاد العالم الطبيعى، لكنها ما زالت موجودة فى بلادنا وهى وظيفة مذيعة الربط بالتليفزيون، وهى شخصية فرحة دون مناسبة تطل على الناس لتعلن لهم أنه قد حان الآن موعد تقديم برنامج كذا أو فيلم كذا، ثم لا تنسى أن تتمنى لهم سهرة سعيدة.. ويقال إن من أسباب الإبقاء على هذه الوظيفة نسبة الأمية التى لا تسمح لكثير من المشاهدين بمعرفة اسم البرنامج أو الفيلم وأسماء أبطاله.. غير أن نفس هؤلاء الأميين لم يشْكُ أحد منهم أو يتبرَّم من القنوات التى تخلَّصت من مذيعات الربط بغير رجعة. ويقال إن المسألة لا تعود فقط إلى جهل الحكومات أو مسؤولى الهيئات وخيبتها، لكن هناك دائمًا أسباب وجيهة وراء الاحتفاظ بوظائف تخلَّص منها العالم، على رأس هذه الأسباب أن التكنولوجيا ليست نوعًا واحدًا، فإذا كانت التكنولوجيا فى تعريفها البسيط هى طريقة الإنتاج، فإن هناك العديد من الطرق، وإذا كانت الدول الصناعية وافرة الدخل قليلة السكان تستطيع أن تعتمد طرقًا من الإنتاج تقوم أكثر على الآلة وعلى الروبوت، فإن دولًا مثل الصين والهند لا يمكنها -حتى إذا تطوَّرت علميًّا- أن تنتهج مثل هذه الأساليب فى الإنتاج لأسباب ليست خافية، إذ إن مئات الملايين من السكان قد يموتون جوعًا نتيجة حرمانهم من فرص العمل، وبفرض أن حكومات هذه الدول استطاعت تقديم علاوة بطالة إلى هؤلاء، فإن التأثير الاجتماعى المدمِّر لبطالة معظم السكان لا قبل لأعتى الدول به. لهذا فإنهم يفضِّلون التكنولوجيا التى تعتمد على استخدام العمالة الكثيفة. فهل يا ترى تقوم بلادنا الحلوة باستخدام لواءات وعمداء لتنظيم المرور فى الشارع بدلًا من تركيب إشارة ضوئية من نفس المنطلق الذى يفضِّل استخدام العمالة الكثيفة فى الدول عالية السكان، أم أن هناك أسبابًا أخرى؟ بعض أولاد الحلال يقولون إن وجود رجل الشرطة ضرورى فى البلدان القمعية الشرسة التى لا تحفل بأن يحترم المواطن القانون قدر اهتمامها بأن يهاب المواطن الشرطى ويرتعد منه، وإن هذا هو السبب الحقيقى فى عدم قيام الضباط بتنظيم المرور من خلال غرف التحكم ومن خلال سيارات الدورية وإصرارهم على الوجود الفيزيقى فى الشارع! لكن هناك نظرية أخرى تقول إن الفشل الذريع فى تطبيق نظام الحكومة الإلكترونية الذى يوفر الموظفين ويسمح للمواطن بتخليص مصالحه «أونلاين» عائد إلى الرغبة المتجددة لدى الموظفين فى رؤية المواطن بشحمه ولحمه وجنيهاته دون الاكتفاء بنقراته على الكيبورد! أما فى ما يتعلق بمذيعة الربط فإن مشكلتها أشد تعقيدًا، ذلك أنها تدرَّبت منذ الطفولة على ترديد: سيداتى سادتى، ولا يمكن لأونكل صاحب التليفزيون أن يحرمها من حلم السنين! نقلاً عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وظائف منقرضة وظائف منقرضة



GMT 09:27 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 09:25 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 09:23 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 09:21 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نجح الفنان وفشل الجمهور

GMT 09:18 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 09:17 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

جامعات أمريكا وفرنسا

GMT 09:15 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

سيدفع الثمن الأغنياء والفقراء على حد سواء

GMT 09:14 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«خليها تعفن»!!

GMT 13:43 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 10:39 2022 الثلاثاء ,19 تموز / يوليو

الأهلي يسوّق بدر بانون في الخليج والرجاء يريده

GMT 11:36 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

النجم الألماني مسعود أوزيل يختار الأفضل بين ميسي ورونالدو

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 آب / أغسطس

دنيا سمير غانم تتألق رفقة زوجها

GMT 20:38 2020 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

كوريا الجنوبية تسجل 63 إصابة جديدة بكورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon