بقلم:أسامة غريب
تناقلت وسائل الإعلام خبرًا عن تحقيق جنائى يقوده قاض إيطالى ضد عدد من الأثرياء ورجال الأعمال الأوروبيين الذين استغلوا حصار البوسنة ما بين عامى ١٩٩٢ و١٩٩٦ وقاموا بالاشتراك فى رحلات سفارى لصيد البشر المحاصرين فى سراييفو مقابل مائة ألف يورو عن كل شخص تم دفعها لمنظمى الرحلات.
الجريمة كشفها صحفى إيطالى اسمه «إيتسيو جافازيني» وقد بدأ يتقصى الموضوع بعد أن شاهد فيلمًا وثائقيًا لمخرج من سلوفينيا وفيه يحكى ضابط صربى سابق أن أجانب قادمين من أنحاء أوروبا ومعظمهم إيطاليون مارسوا قتل البشر فى البوسنة من أجل التسلية. كان الوحش البشرى من هؤلاء يركب الباص من مدينى ترييستى الإيطالية إلى بلجراد، ثم تتسلمه القوات الصربية وتوصله إلى التلال المشرفة على سراييفو وتؤمّن له أفضل إطلالة يقتنص منها الضحايا المسلمين المحاصرون فى المدينة، ويقال إن اقتناص الأطفال كان يكلف الزبون مبلغًا ماليًا أكبر. قابل الصحفى شهودًا كثيرين وقام بتوثيق شهاداتهم ثم قدم شكوى رسمية عبر النيابة للتحقيق مع المتورطين.
وقد شرع المدعى العام الإيطالى فى التحقيق فى جريمة صُنفت بأنها: قتل مع سبق إصرار وتصرف بوحشية ودوافع وضيعة. الصحفى جافازينى وصف ما حدث قائلًا: هؤلاء القتلة كانوا أغنياء، يحبون الأسلحة وكانوا يبحثون عن أعلى مستوى من الترفيه بعد أن جربوا كل شىء ولم يعد صيد الحيوانات والطيور يمتعهم أو يسليهم. كانوا يحتاجون لمستوى أعلى يدفع الأدرينالين فى دمائهم ويقدم لهم حجم من الإثارة غير مسبوق.
لا تفوتنا تحية الصحفى الإيطالى الذى كشف الجريمة ولا المحققين الذين يسعون لجلب العدالة للضحايا، لكننا ندرك مع الأسف أن معاقبة المجرمين غير ممكنة عمليًا فى عالم لا يريد معاقبة نتنياهو وصحبه من القتلة على جرائم شاهدناها على الهواء وليست منذ ثلاثين عامًا كجريمة البوسنة، وقد يعود هذا التقاعس إذا ما شئنا أن نتحرى أسبابه العميقة إلى رغبة أصيلة لدى معظم البشر فى قتل وتعذيب بشر آخرين.
ولعل التجربة التى أجراها العالم الأمريكى ستانلى ميليجرام فى جامعة ييل عام ١٩٦٣ قد كشفت الإنسان وقامت بتعريته عندما قام المشاركون فى التجربة بتعذيب آخرين وصعقهم بالكهرباء صعقات مميتة فقط لأنهم أمنوا العقاب، وفى تلك التجربة لم ينقذ المشاركين الآخرين من الموت سوى أن التجربة كانت وهمية ولم يكن بالصاعق تيار كهربائى حقيقى.
هذه الرغبة فى إيذاء الآخرين حتى الموت تختفى تحت الجلد عند معظم الناس، لكنها تشق طريقها وتخرج للعلن إذا امتلك الإنسان القدرة، وحتى عندما يكون غير قادر فإنه لا يجد بأسًا فى أن يعوض فشله من خلال الإعجاب والتقدير للنازيين الجدد فى كل مكان، فيشجعهم ويسعى لحمايتهم ويجعل قرارات الجنائية الدولية ضدهم مجرد حبر على ورق. معظم البشر وحوش ولا يفيدهم الدين ولا دور العبادة ولا مواعظ الكهنة، ومن المؤسف أن موقعنا فى قاع الكوكب يجعل منا الضحايا الدائمين، ولا يمنحنا خيار أن نكون الصيادين أبدًا بصرف النظر عن رغبتنا فى ذلك من عدمها!.