توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرق المصاحف

  مصر اليوم -

حرق المصاحف

بقلم:ممدوح المهيني

في السنوات الأخيرة، شهدنا العديد من الشخصيات المتطرفة في الغرب التي تقوم بحرق نسخ من المصحف الكريم. آخرها كانت المرشحة فالنتينا غوميز التي نشرت فيديوهات على حساباتها، وأثارت ردوداً واسعة.

السؤال: لماذا زاد هذا العدد؟ وهل الموضوع يتعلق فقط بالكراهية الدينية للإسلام؟

في الواقع، للأمر أهداف أعمق من الصورة التي نراها على السطح. الهدف الأول أن هذه الشخصيات تبحث عن الشعبية والشهرة من خلال هذه التصرفات الاستفزازية. فالشهرة تقود إلى الثروة عبر المقابلات التلفزيونية والكتب والدعم المالي من المؤيدين. إنها طريقة سهلة وآمنة للوصول إلى الجماهير وتحقيق المكاسب المادية.

الهدف الثاني أنها تخاطب جمهوراً داخلياً متعصباً ومنغلقاً محدود العدد، يرى في الدين الإسلامي تهديداً لقيمه وطريقة حياته. ومن خلال ذلك تتشكل قاعدة انتخابية تُستَخدم للوصول إلى منصب سياسي، كما هو حال المرشحة الجمهورية غوميز (رغم أن احتمال فوزها ضعيف).

أما الهدف الثالث، وهو الأهم، فهو إثارة رد فعل من المسلمين وإظهارهم بصورة الجموع الغاضبة السهلة الاستفزاز. ردود الفعل الانفعالية هي بالضبط ما تبحث عنه هذه الشخصيات لإثبات وجهة نظرها.

من حق المسلمين، أو أتباع أي دين آخر، أن يغضبوا إذا ما تمّت الإساءة إلى كتابهم المقدس أو رموزهم الدينية. ولكن الخطأ أن يتحولوا إلى أداة في يد هؤلاء المتطرفين الباحثين عن الشهرة، فيحركونهم حيثما أرادوا. في النهاية، لا يمكن لشخصيات مأزومة ومضطربة أن تؤثر على أديان كبرى استمرت لقرون ويتبعها ملايين البشر حول العالم. ولهذا فإن أفضل طريقة للتعامل مع هذه الأفعال هي تجاهلها؛ لأن ذلك يُفشل أهداف أصحابها، ويؤدي إلى تراجع الظاهرة من تلقاء نفسها.

هذه الشخصيات تسعى للشهرة وتأجيج الكراهية، وتحاول تصوير المسلمين في أميركا وأوروبا على أنهم جماعات غير مندمجة أو غير مخلصة لمجتمعاتها، وهو أمر مضرٌّ بالمسلمين قبل غيرهم. إنهم ينصبون الفخ نفسه مرة بعد أخرى، وفي كل مرة ينجحون في استدراج ردود فعل تخدم غاياتهم. وحان الوقت لمعرفة كيفية التعامل مع هذه الظاهرة، وإلا فسنشهد مزيداً من الموتورين الراغبين في إشعال الصراعات بين الشعوب والحكومات.

أكثر من يفرح بهذه الظاهرة هم المتطرفون من كل الأديان؛ إذ تحقق لهم نوعاً من التخادم المتبادل. فحارقو نسخ المصحف يسعون إلى استفزاز المسلمين وإظهارهم بصورة كائنات غرائزية مندفعة، كما يهدفون إلى تأجيج الكراهية الدينية. وفي المقابل، يستخدم المتطرفون الإسلامويون هذه الحوادث لتصوير المسلمين مضطهدين من قِبَل القوى «الصليبية». وفي الحالتين، يتم التلاعب بالحقيقة. ملايين المسلمين يعيشون في أوروبا وأميركا، ويمارسون دياناتهم بحرية من دون أن يتعرض لهم أحد (هناك أكثر من 2000 مسجد في بريطانيا وحدها و2600 مسجد في فرنسا). كما أن كثيراً منهم مندمجون ومنسجمون مع مجتمعاتهم التي وُلدوا فيها أو حملوا جنسياتها. لكن اختيار حالات فردية وتضخيمها يهدفان إلى إثارة المشاعر وزرع الكراهية في النفوس، وشحن الأجواء بمشاعر الغضب الديني حتى تنفجر في صورة نزاعات دينية أو مذهبية.

وفي الهند، نرى الظاهرة ذاتها، حيث يُسلَّط الضوء على حالات معينة يتعرض فيها المسلمون للاضطهاد، بينما يعيش ما يقارب 200 مليون مسلم في سلام وتسامح نسبي. وهناك وسائل إعلام تستثمر في هذه الحوادث وتعيد تدويرها لأنها تحقق أهدافها في التحريض الديني والتعبئة الشعبية، فضلاً عن جلب المزيد من المشاهدات. ولا تقتصر هذه الظاهرة على الأديان الكبرى، بل تمتد إلى المذاهب، حيث نشهد حرباً طائفية رقمية بين السنة والشيعة، يسيء فيها كل طرف إلى الآخر للأهداف نفسها: تأجيج الكراهية وتغذية الانقسام.

نعيش اليوم في عالم يحصد ثماره من قيم التسامح والتعايش الديني. والمدن الأكثر ازدهاراً حول العالم هي تلك التي تحتضن خليطاً متنوعاً من البشر من مختلف الأديان والجنسيات.

حرق المصحف ليس سوى أداة رخيصة للشهرة واستثارة مشاعر الكراهية. الرد الأمثل عليه هو الوعي والتجاهل. فالتسامح والتعايش هما السلاح الأقوى في مواجهة دعاة الكراهية، والمتطرفون لن يجدوا ما يغذيهم إذا ما توقفنا عن الانجرار إلى الأفخاخ التي ينصبونها لنا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرق المصاحف حرق المصاحف



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt