توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حضنُ بوتين لبشار الأسد

  مصر اليوم -

حضنُ بوتين لبشار الأسد

بقلم:ممدوح المهيني

في إحدى زيارات الرئيس السوري السابق بشار الأسد لموسكو قام الرئيس الروسي باحتضانه، ويبدو في الصورة كأن الأب يحتضن ابنه المذعور ويهدّئ من روعه ويربت على ظهره. منظر يدعو للشفقة على الرئيس الذي هرب خلسة في الظلام إلى حضن «الأب» الذي لم يعد يستطيع أن يحميه أكثر من ذلك وقرر أن يمنحه اللجوء لظروف إنسانية وهو الآن يقيم في شقة في موسكو بعد أن فرّط بـ«ملكه»، ولم يحافظ عليه كالرجال.

إن سقوط الأسد وتهاوي نظامه بعد أن ترك بلداً محطماً واقتصاداً فقيراً ومجتمعاً مقسماً يذكرنا بغيره من الزعماء المستبدين في منطقتنا الذين لم يتركوا خلفهم دولاً راسخة وجيوشاً قوية واقتصادات متينة، وإنما مجرد هجائيات للدول «الرجعية» الخليجية الناجحة والقوى الإمبريالية وأدبيات مستهلكة ومملة عن المؤامرات وأعداء الأمتين العربية والإسلامية. في الوقت الذي كان العالم يتطور ويتغير ويتصل ببعضه كانوا يتحدثون عن الصمود والبطولات، لكنها تلاشت في لحظات. والمفارقة أنهم على العكس من الديكتاتوريين من دول أخرى الذين رغم الفظائع التي ارتكبوها من مجازر ومجاعات، فإنهم صنعوا آلات عسكرية وجيوشاً قوية واقتصادات تبنَّت مشاريع إصلاحية ضخمة وكان هناك بقايا من بُنى مؤسسية سرّعت من نهوضها مرة أخرى بعد هزيمتها.

مع صعود النازية للحكم في عام 1933 تمكنت الحكومة من بدء برنامج ضخم لتشييد، وإصلاح الطرق، وسكك الحديد والمنازل. تمكنوا من تخفيض معدل البطالة إلى درجة كبيرة ومع بناء جيش قوي صنعت آلاف الوظائف في صناعات الطيران والسفن والفولاذ. صناعة السيارات الألمانية ازدهرت في ذلك الوقت، وانعكس مد الطرق بين المدن الكبرى إيجابياً على أرباحها وأسس في 1937 حينها هتلر شركة «فولكس واغن» لإنتاج سيارات رخيصة تتمكن العائلة الألمانية من شرائها. اقتصاد ألمانيا النازية القوي الذي كان عبارة عن خليط من القطاع الخاص والمملوك للدولة (الأنظمة الفاشية تركت مساحة للشركات الخاصة على عكس الأنظمة الشيوعية) تمكن من دعم الجيش الألماني الذي وصل إلى 17 مليون جندي وأصبح قوة ضاربة استطاع أن يبتلع القارة الأوروبية في سنوات معدودة.

من جانبه، موسوليني كانت لديه عقدة من ضعف إيطاليا إلى جانب القوى الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا. سيطرت عليه طموحات بأن يجعل من إيطاليا عظمى ومن نفسه قائد دولة قوية متجاوزاً مساحتها الصغيرة؛ ولهذا نجح في تحديث الاقتصاد الإيطالي وفي سنواته اتخذ قرارات إصلاحية رأسمالية مثل إصلاح النظام الضريبي وتحرير الاتحادات العمالية، واستطاع أن يرفع من حجم الاقتصاد ليصل إلى 17 في المائة. ومن ثم غيّر نهجه الاقتصادي ليقلل من ليبراليته التي بدأها ويصبح أكثر فاشية، ومع هذا أطلق مشاريع إصلاحية للبنية التحتية كان يقارنها بمشاريع الصفقة الجديدة التي أُطلقت في الثلاثينات في عهد الرئيس روزفلت. وفي عهد موسوليني أطلق الوعود الثلاثة لإصلاح الأرض والعملة وإنتاج القمح.

ستالين زعيم الاتحاد السوفياتي ورث بلداً زراعياً وحوّله بلداً صناعياً وقوة عظمى، وبموته كان الجيش الأحمر من أقوى جيوش العالم، حيث تجاوز عدد المجندين خلال الحرب العالمية الثانية 34 مليوناً. بسبب خوفه من قدرة خصومه الرأسماليين الغربيين من التفوق عليه وهزيمته، أطلق ستالين نهاية العشرينات مشروعاً إصلاحياً مركزياً لتحديث اقتصاد بلاده عبر الخطط الخمسية وحقق خلالها زيادة ضخمة في إنتاج النفط والغاز والفحم والفولاذ؛ الأمر الذي أدى إلى نمو اقتصادي كبير وجعل من موسكو القطب الثاني في العالم في مواجهة الغرب.

نعرف الفظائع التي ارتكبها هؤلاء الزعماء وفي نهاية المطاف دمَّروا بلدانهم بسبب الآيديولوجيات القومية والعنصرية المتطرفة واتخذوا سياسات متوحشة وتسببوا بمجاعات، وألقوا الأبرياء في غرف الغاز والمعتقلات ولقوا في نهاية المطاف مصيرهم مُعلَّقين في الساحات أو يبتلعون أقراص السم. لكنهم تمكنوا من بناء اقتصادات ناجحة في وقت ما وجيوش قوية، حتى لو عبر ممارسات عنيفة، لكن قارنهم بالمستبدين في عالمنا العربي. هزيمة مذلة في ستة أيام، وزعيم أُخرج مختبئاً في حفرة قذرة، وآخر قُتل وسُحل على مرأى العالم ورابع هرب في الظلام في طائرة روسية، وكلهم تركوا خلفهم بلداناً فقيرة واقتصاداً مهشماً ومجتمعاً متناحراً وجيوشاً مهترئة وجنوداً جائعين، ولم يأخذوا من المستبدين الغربيين إلا مهارة القتل الجماعي واستقدام صناعة الأسلحة المحرمة والاستعراض في الخطب في الوقت ذاته الذي كانت دولهم تتهاوى تحت أقدامهم المرتعشة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حضنُ بوتين لبشار الأسد حضنُ بوتين لبشار الأسد



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt