توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صراع تاريخي قديم

  مصر اليوم -

صراع تاريخي قديم

بقلم:ممدوح المهيني

يقول الكاتب فريد زكريا: «إن النمو الاقتصادي يترافق بالعادة مع ارتفاع معدلات الرضا عن الرئيس. كلما تراجعت البطالة وزادت الوظائف وانخفض التضخم، زادت شعبية الرئيس».

لم يعد هذا هو الحال في العقد الأخير. معدلات الرضا عن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ظلت على حالها رغم النمو الاقتصادي والشيء ذاته حدث مع الرئيس جو بايدن. وهذا ما فهمه الرئيس دونالد ترمب بحسه الغريزي. لقد أدرك أن الصراع داخل أميركا أيضاً ثقافي. ترمب بنى حملته الانتخابية على فكرة العودة للماضي، ومخاطبة المهمشين البيض في أميركا الغريبة عليهم وذلك عبر شعارات عاطفية. الدين والجنس والهجرة. وقد نجح في ذلك ووصل إلى البيت الأبيض رغم محاولات اغتياله وإقصائه.

هناك تحولات عميقة متعلقة بالمجتمع والطبقة والاتصال والثقافة.

اجتماعياً، حدث التحول اقتصادياً في الرأسمالية القديمة إلى الجديدة. من عمال المصانع والمناجم إلى الموظفين في الشركات العملاقة في التقنية والمعلومات. غالبية الموظفين الصغار الطامحين يذهبون للعمل في هذه المجالات، وهذا يعني تحول مصادر القوة والثراء لعدد محدود من المدن على عكس السابق؛ ما خلق حالة من النقمة لدى هذه القطاعات.

أما طبقياً، حدثت أيضاً تغيرات جذرية. الشعور لدى قطاعات واسعة من الجمهوريين المحافظين بأن الطبقة النخبوية المتعلمة الليبرالية هي التي تحكم وليس نخبة الأثرياء على الطريقة القديمة. ولهذا يقدم ترمب نفسه على أنه رجل مقاول يبني، أي على الطراز القديم، ليجتذب الناخبين الذين يفضّلون هذا النوع من الثراء ويطمحون للوصول إليه، ولكنهم يمقتون نخب المحامين ورجال البنوك والمستشارين في المدن الكبرى. أي أن هناك نوعاً من الانقسام والصراع الطبقي الحاد.

أما الاتصال، فهو التحولات في الإعلام فبعد أن كان هناك 3 محطات إخبارية يشاهدها الجميع وتقدم أخباراً متوازنة تحولت الآن إلى أكثر من 300. ما هو تأثير ذلك؟ الغالبية ذهبت لمتابعة أشياء أخرى وبقي المخلصون للأخبار، وهؤلاء انقسموا إلى اليمين واليسار وأصبحت المحطات الإخبارية تقدم لهم الرأي الذي يعزز توجهاتهم؛ ما أدى إلى مزيد من الانقسام.

أما ثقافياً، فهناك صراع بين من يريدون الثقافة القديمة ويحلمون بأميركا النقية ويرفضون النسخة الجديدة من أميركا المختلطة المتنوعة عرقياً وثقافياً. مخاوف الكاتب أن تستغل هذه الانقسامات من الحركات الشعبوية التي لا تفهم المتغيرات وتريد أن تعود للماضي وتتسبب بمزيد من الانقسامات وتجعل أميركا القوية اقتصادياً وعسكرياً تتراجع ولا تفهم طبيعة هذه التحولات العميقة بالمجتمع والاقتصاد والثقافة والعالم كله. مصدر قوة أميركا المهاجرون، حيث تستقبل مليون مهاجر قانوني سنوياً وتصهرهم بالمجتمع؛ وهم ما يمنحونها الطاقة والحيوية والعقول المبتكرة على عكس دول أخرى مثل الصين واليابان وأوروبا التي لديها مشكلة ديمغرافية كبيرة.

ولكن العودة للماضي بعد مراحل من التقدم والتطور ليست هي الأمر الغريب، وفي كتابه «عصر الثورات» يشير إلى هذه التحولات العميقة منذ القرون الوسطى. الصين كانت منفتحة في عام 1400 وامتلكت الأسطول البحري الأقوى عالمياً (3500 سفينة)، لكنها أغلقت الباب على نفسها وأمر الإمبراطور بإغلاق البلد وحرق الأسطول ودخلت بعدها في عزلة طويلة. البندقية كانت مركزاً حضارياً وقوة اقتصادية وعسكرية، ولكنها تراجعت وتعرضت لغزوات من البرتغاليين والفرنسيين. هولندا في القرن السادس عشر فهمت هذه التغيرات والتحولات وفهمت أن عليها - لتتجاوز طبيعتها الجغرافية الصعبة بسبب المستنقعات - أن تقوم بالتغيير الثقافي والاقتصادي المطلوب، حيث قامت بقبول التعددية الدينية قبل الجميع، وشرعت في بناء السفن للتجارة. في لحظة تاريخية ما فهمت أن عليها أن تتغير وتتطور وازدهرت رغم حجمها الصغير. ومع هذا حدثت صراعات داخلها في ذلك الوقت بين القوى الليبرالية والمحافظة حول أنهم تقدموا وانفتحوا أكثر مما ينبغي ويجب عليهم العودة للماضي وإغلاق الباب على أنفسهم. ولكنها استطاعت أن تمضي في طريق التحديث الفكري والاقتصادي والاجتماعي (كانت ملجأ للمفكرين مثل ديكارت وجون لوك والهاربين من الاضطهاد الديني) وشكلت أسس ما نعرفه اليوم بالاقتصاد الحديث (أول سوق للأسهم بدأت في أمستردام).

روسيا تعيش مثل الإمبراطوريات السابقة لديها رغبة استعادة الدول التي انفصلت عنها. مثل إصرار فرنسا على اعتبار الجزائر جزءاً منها، وكذلك إنجلترا في الهند وغيرها من الإمبراطوريات البائدة. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اعتبر سقوط الاتحاد السوفياتي أكبر خطأ جيوسياسي في القرن الماضي يعدّ أوكرانيا جوهرة التاج ولهذا كان يسعى لضمها حتى لو لم يتمدد حلف «الناتو».

الصراع بين التقدم والتراجع، المضي للأمام والعودة للخلف، حركة تاريخيّة مستمرة وتمر بها دول وأمم كثيرة. حتى أوروبا التي انطلقت منها الثورات الفكرية والصناعية مرت فيها والعودة للماضي، ولكنها حسمت أمرها. وهو ليس بالتأكيد خيار الأمم التي تريد أن تزدهر ولا تغلق الباب على نفسها وتنزلق في هوة النسيان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع تاريخي قديم صراع تاريخي قديم



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt